للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واقفًا حتَّى أسفرَ) أي: الفجرُ (جِدًا) بِكسرِ الجيمِ إسفارًا بليغًا، (فدفَع قبلَ أن تطلعَ الشمسُ حتَّى أتَى بطنَ مُحَسِّرِ) بضمِّ الميمِ، وفتحِ المهملة، وكسرِ السينِ المشددةِ المهملةِ، سُمِّيَ بذلكَ لأنَّ فيلَ أصحابِ الفيلِ حَسِرَ [هنالك] (١)، أي كلَّ وأعيا (فحرَّكَ قليلًا) أي: حرَّك لدابتهِ لتسرعَ في المشي، وذلك مقدارَ مسافة رميةِ حجرٍ، (ثمَّ سلكَ الطريقَ الوسطَى) وهي غيرُ الطريقِ التي ذهبَ فيها إلى عرفاتٍ (التي تخرجُ على الجمرةِ الكُبْرَى)، وهي جمرةُ العقبةِ (حتَّى أَتَى الجمرةَ التي عندَ الشجرةِ)، وهيَ حدٌّ لِمِنَى [وليستْ] (٢) منْها، والجمرةُ اسمٌ لمجتَمَع الحصَى، سُمِّيَتْ بذلكَ لاجتماعِ الناسِ. يقالُ أجمرَ بنو فلانٍ إذا اجتمعُوا، (فرماها بسبعِ حصياتٍ يكبِّرُ معَ كلِّ حصاةٍ منْها، كلُّ حصاة مثلُ حَصَى الخذفِ)، وقدْرُه مثلُ حبة الباقلاء (رَمَي منْ بطنِ الوادي) بيانٌ لمحلِّ الرَّمي، (ثمَّ انصرفَ إلى المنحرِ فنحرَ، ثمَّ ركبَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأفاضَ إلى البيتِ فصلَّى بمكةَ الظهرَ)، فيهِ حذفٌ أي: فأفاضَ إلى البيتِ فطافَ بهِ طوافَ الإفاضةِ، ثمَّ صلَّى الظهرَ. وهذَا يعارضُه حديثُ ابن عمرَ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الظهرَ يومَ النحرِ بمنَى" (٣). وجُمِعَ بينَهما بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بمكةَ ثمَّ أعادهُ بأصحابِه جماعةً بِمِنَى لينالُوا فضلَ الجماعةِ خلْفَهُ (٤). (رواهُ مسلمٌ مطوَّلًا)، وفيهِ زياداتٌ حَذَفَها المصنفُ، واقتصرَ على محلِّ الحاجةِ هُنَا.

(واعلمْ) أن هذَا حديثٌ عظيمٌ مشتملٌ على جُمَلٍ منَ الفوائدِ، ونفائسَ منْ مهمَّاتِ القواعدِ. قال [القاضي] (٥) عياضُ: قدْ تكلَّمَ الناس على ما فيهِ منَ الفقهِ وأكثَرُوا، وصَنَّفَ فيهِ أبو بكرِ بن المنذرِ جُزءًا كبيرًا أخرجَ فيهِ منَ الفقهِ مائةً ونيفًا وخمسينَ نوعًا قالَ: ولو تقصَّى لزيد على هذَا العددِ [أو قريبٍ] (٦) منهُ.

قلتُ: وليعلمَ أن الأصلَ في كلِّ ما ثبتَ أنهُ فَعَلَهُ - صلى الله عليه وسلم - في حجِّهِ الوجوبُ لأمرينِ: أحدُهما أن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الحجِّ بيانٌ للحجِّ الذي أمرَ الله بهِ مجملًا في


(١) في النسخة (ب): "فيه".
(٢) في النسخة (أ): "وليس".
(٣) أخرجه مسلم (١٣٠٨)، وأبو داود (١٩٩٨)، وأحمد (٢/ ٣٤).
(٤) وانظر كلام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" (٢/ ٢٨٠ - ٢٨٣)، فقد ذكر من رجح قول جابر، وكذلك أورد ذكر من رجح قول ابن عمر، فقد أجاد وأفاد.
(٥) زيادة من النسخة (ب).
(٦) في التسخة (أ): "قريبًا" وهو خطأ.