للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القرآن، والأفعالُ في بيانِ الوجوبِ محمولةٌ على الوجوب. والثاني قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عني مناسكَكُم" (١)؛ فمنِ ادَّعى عدمَ وجوبِ شيءٍ من أفعالِهِ في الحجِّ فعليهِ الدليلُ. ولنذكرْ ما يحتملُه المختصرُ منْ فوائدِهِ ودلائِله:

ففيهِ دلالةٌ على أنَّ غسلَ الإحرامِ سنةٌ للنفساءِ والحائضِ ولغيرِهما بالأَوْلى، وعلى استثفارِ الحائضِ والنفساءِ، وعلى صحَّةِ إحرامِهما، وأنْ يكونَ الإحرامُ عَقيبَ صلاةِ فرضٍ أو نَفْلٍ فإنهُ قدْ قيلَ: إنَّ الركعتينِ اللتين أهلَّ بعدَهما فريضةُ الفجرِ، وقدَّمنا لك أن الأصح أنهما ركعتا الظهر لأنه صلَّاها قصرًا ثم أهل. وأنهُ يرفعُ صوتَه بالتلبيةِ. قالَ العلماءُ: ويستحبُّ الاقتصارُ على تلبيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلو زادَ فلا بأسَ فقدْ زادَ عمرَ - رضي الله عنه -: "لبيكَ ذَا النعماءِ والفضلِ الحسنِ، لبيكَ مرهوبًا منكَ ومرغوبًا إليكَ". وابنُ عمرَ - رضي الله عنهما -: "لبيكَ وسعديكَ، والخيرُ بيدكَ، والرغباءُ إليكَ والعملُ"، وأنسٌ - رضي الله عنه -: "لبيكَ حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورقًّا"، وأنهُ ينبغي للحاجِّ القدومُ أولًا مكةَ ليطوفَ طوافَ القدومِ، وأنهُ يستلمُ الركنَ قبلَ طوافِه، فيرمل في الثلاثةِ الأشواطِ الأُوَلِ، والرملُ إسراعُ المشي معَ تقاربِ الخُطا وهوَ الخَبَبُ، وهذا الرمل يفعله فيما عدا ما بين الركنين اليمانيين كما قدَّمناه، ثمَّ يمشي أربعًا على عادتِه. وأنهُ يأتي بعدَ تمامِ طوافِه مقامَ إبراهيمَ ويتلُو: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (٢)، ثمَّ يجعلُ المقامَ بينَهُ وبينَ البيتِ ويصلِّي ركعتينِ. وقدْ أجمعَ العلماءُ على أنهُ ينبغي لكلِّ طائفٍ إذا طافَ بالبيتِ أنْ يصلِّيَ خلفَ المقامِ ركعتي الطوافِ، واختلفُوا هلْ هما واجبتانِ أمْ لا؟ فقيلَ بالوجوبِ، وقيلَ: إنْ كان الطوافُ واجبًا وجبتا وإلَّا فسنَّةٌ، وهلْ يجبانِ خلْفَ مقامِ إبراهيمَ حتْمًا أو يُجزئانِ في غيرِه؟ فقيلَ: يجبانِ خلْفَهُ، وقيلَ: يُنْدَبانِ خلفَه ولو صلَّاهُما في الحِجْرِ، أوْ في المسجِد الحرامِ، أوْ في أيِّ محلٍّ من مكة جازَ وفاتتهُ الفضيلةُ. ووردَ في القراءةِ فيهما في الأُولى بعدَ الفاتحةِ الكافرونَ، والثانيةِ بعدَها الصمدُ، رواهُ مسلمٌ (٣). ودلَّ على أنهُ يشرعُ لهُ


(١) أخرجه مسلم (٣١٠/ ١٢٩٧)، وأبو داود (١٩٧٠)، والنسائي (٥/ ٢٧٠)، وابن ماجه (٣٠٢٣)، وأحمد (٣/ ٣١٨)، والبيهقي (٥/ ١٣٠)، وأبو نعيم في الحلية (٧/ ٢٢٦) من حديث جابر بألفاظ متقاربة.
(٢) سورة البقرة: الآية ١٢٥.
(٣) في "صحيحه" (١٤٧/ ١٢١٨).