للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والثاني: أنهُ يجوزُ بيعه برضاهُ إلى مَنْ يُعْتِقُهُ محتجِّينَ بظاهرِ حديثِ بريرةَ.

والقولُ الثالث: أنهُ لا يجوزُ بيعُه مطلقًا، وهوَ لأبي حنيفة وجماعةٍ، قالُوا: لأنهُ [قد] (١) خرجَ عنْ مُلْكِ السيدِ، وتَأَوَّلُوا الحديثَ بأنْ قالُوا: إنَّ بريرةَ عجزتْ نفسَها وفسخُوا [العقد كما في شرح (٢) مسلم عن الحنفية ومن معهم] (٣)، والقولُ الأولُ أظهرُ، لأنَّ التقييدَ بالوأقع في قصةِ بريرةَ ليسَ فيهِ دليل على أنهُ شرطٌ، وإنَّما كانَ الواقعُ كذلكَ فَمِنْ أينَ أَنهُ شرطٌ.

وأما القولُ بأنَّ بيَعه يوجبُ سقوطَ حقِّ اللَّهِ فجوابُه أنَّ حقَّ اللَّهِ تعالَى ما [قد] (٤) ثبتَ فإنهُ لا يثبتُ إلا بالإيفاءِ، والفرضُ أنهُ عجزَ المكاتبُ عنهُ.

وقولُه: (واشترطي لهمُ الولاءَ) إنْ جعلتَ اللامَ بمعنَى علَى منْ بابِ قولِه: {وَإنْ أَسَأتُمْ فَلَهَا} (٥) {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ} (٦) كما قالَهُ الشافعيُّ (٧)، فلا إشكالَ إلا أنهُ قدْ ضُعِّفَ (٨) بأنهُ لو كانَ كذلكَ لم ينكرْ عليهمْ اشتراطَ الولاءِ، ويجابُ عنهُ بأنَّ الذي أنكرهُ اشتراطُهم له أولَ الأمرِ. وقيلَ أرادَ بِذلكَ الزجرِ والتوبيخ لَهمْ لأنهُ كان - صلى الله عليه وسلم - قدْ بيَّنَ لهمْ حكمَ الولاءِ، وأنَّ هذا الشرطَ لا يحلُّ فلما ظهرتْ منهمْ المخالفةُ قالَ لعائشةَ ذلك. ومعناهُ لا تبالي لأنَّ اشتراطهم مخالفٌ للحقِّ، فلا يكونُ ذلكَ للإباحةِ، بلِ المقصودُ الإهانةُ وعدمُ المبالاة بالاشتراطِ، [لأن] (٩) وجودَه كعدمِه. وبعدَ معرفةِ هذهِ الوجوهِ والتأويلِ يزولُ الإشكال بأنهُ كيفَ وقعَ منهُ الإذنُ - صلى الله عليه وسلم - لعائشةَ بالشرطِ لهمْ، فإنهُ ظاهرٌ أنهُ خِداعٌ وغَرَرٌ للبائعِ منْ حيثُ إنهُ يعتقد عندَ البيعِ أنهُ بقيَ [لهُ] (١٠) بعضُ المنافِع، وانكشفَ الأمرُ على خلافِهِ، ولكنْ بعدَ تحقُّقِ وجوهِ التأويلِ يذهبُ الإشكالُ.

وفي قولهِ: ([و] (١١) إنَّما الولاءُ لِمَنْ أعتقَ) دليل على حصر الولاءِ فيمنْ أعتقَ لا يتعدَّاهُ إلى غيرِه.


(١) زيادة من (أ).
(٢) للنووي (١٠/ ١٣٩).
(٣) زيادة من (أ).
(٤) زيادة من (أ).
(٥) سورة الإسراء: الآية (٦).
(٦) سورة الإسراء: الآية (١٠٩).
(٧) انظر: (السنن الكبرى) (١٠/ ٣٤٠)، و (المعرفة) (١٤/ ٤٦٢).
(٨) انظر: (فتح الباري) (٥/ ١٩١).
(٩) في (ب): (وأنَّ).
(١٠) في (أ): (لهم).
(١١) زيادة من (ب).