للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المرسلُ أصحُّ منَ المتصلِ، وقالَ ابنُ الصلاحِ (١) في الأحكامِ: هوَ حديثٌ ثابتٌ، كانَ ذلكَ في سنةِ تسعِ، وجعلَ لغرمائِه خمسةَ أسباعِ حقوقِهم، فقالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، بعْه لنا، فقالَ: "ليسَ لكم إليهِ سبيلٌ" (٢). وأخرجَهُ البيهقي منْ طريقِ الواقدي، وزادَ (٣) أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَه بعدَ ذلكَ إلى اليمنِ ليجبرَه. والحديثُ دليلٌ على أن الحاكمَ يحجرُ على المدينِ التصرفَ في مالهِ، ويبيعُه عنهُ لقضاءِ غرمائِه، والقولُ بأنهُ حكايةُ فعلٍ غيرُ صحيحٍ، فإنَّ هذَا فعلٌ لا يتمُّ إلا بأقوالٍ تصدرُ عنهُ - صلى الله عليه وسلم - يحجرُ بها تصرفَه، وألفاظ يبيعُ بها مالَه وألفاظ يقضي بها غرماءَه، وما كان بهذِه المثابةِ لا يقالُ إنهُ حكايةُ فعلٍ، إنَّما حكايةُ الفعلِ مثلُ حديثِ (٤): "خَلَعَ نعلَه فَخَلَعُوا نِعَالَهم" كما لا يخْفَى. وظاهرُ الحديثِ أن مالَه كانَ مُسْتَغْرَقًا بالدَّيْنِ، فهلْ يلحقُ بهِ مَنْ لمْ يستغرقْ مالَه في الحجْرِ والبيعِ عنهُ كالواجدِ إذا مَطَلَ؟ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فقالَ جمهورُ الهادويةُ (٥) والشافعيُّ (٦): إنهُ يلحقُ بهِ فيحجرُ عليه، ويباعُ مالُه لأنهُ قدْ حَصَلَ المقتضي لذلكَ، وهوَ عدمُ المسارعةِ بقضاءِ الدَّينِ. وقالَ زيدُ (٧) بنُ عليٍّ، والحنفيةُ (٨): إنهُ لا يلحقُ بهِ فلا يحجرُ عليهِ، ولا


(١) كذا في المخطوط والمطبوع: "ابن الصلاح" وفي "التلخيص": "ابن الطلَّاع"، والذي يبدو أنه الصواب وهو محمد بن الفرج القرطبي المالكي مولى محمد بن يحيى بن الطَّلَّاع المعروف بالطلَّاعي، وله كتاب في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة ٤٩٧، راجع: "سير أعلام النبلاء" (١٩/ ١٩٩ رقم ١٢١).
(٢) إلى هنا انتهى كلام ابن الطَّلاع كما في "التلخيص"، والرواية التي ساقها في "السنن الكبرى" للبيهقي (٦/ ٥٠) بدون ذكر السنة من طريق محمد بن عمر حدثني عيسى بن النعمان عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله قال: كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا و … إلى أن ذكره، ومحمد بن عمر هو الواقدي متروك مع سعة علمه كما قال الحافظ في "التقريب" (٢/ ١٩٤).
(٣) زاد هذه الزيادة عبد الرزاق في مصنفه (٨/ ٢٦٨ رقم ١٥١٧٧).
(٤) سبق تخريجه رقم (١٣/ ٢٠٥) من كتابنا هذا.
(٥) انظر: "الاعتصام بحبل الله المتين" (٤/ ٥٠٨).
(٦) انظر: "روضة الطالبين" (٤/ ١٣٧).
(٧) انظر: "الاعتصام بحبل الله المتين" (٤/ ٥١٠).
(٨) انظر: "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٦٦).