للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الزبيرِ والأنصاريِّ، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يكنْ قدْ أبانَ للزبيرِ ما يستحقه، وأمرَهُ أنْ يأخذَ بعضَ ما يستحقُهُ على جهة الإصلاحِ، فلمَّا لم يقبلِ الأنصاريُّ بالصلحِ وطلبَ مُرَّ الحقّ أبانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للزبيرِ قدْرَ ما يستحقه، كذا قاله الشارحُ. والثابتُ أن هذا ليسَ منَ الصُّلْحِ معَ الإنكارِ، بلْ منَ الصلحِ معَ سكوتِ المدَّعَى عليهِ، وهيَ مسألةٌ مسْتَقِلَّةٌ، وذلكَ لأنَّ الزبيرَ لم يكنْ عالمًا بالحقِّ الذي لهُ حتَّى يذعن بالصلحِ بلْ هذَا أولُ التشريعِ في قدْرِ السُّقْيا، والتحقيقُ أنهُ لا يكونُ الصلحُ إلَّا هكذَا، وأما بعدَ إبانةِ الحقِ للخصمِ فإنما يُطْلَبُ منْ صاحبِ الحق أن يتركَ لخصمِه بعضَ ما يستحقُّه. وإلى جوازِ الصلحِ على الإنكارِ ذهبَ مالكٌ (١)، وأحمدُ (٢)، وأبو حنيفةَ (٣). وخالفَ في ذلكَ الهادويةُ (٤)، والشافعي (٥) وقالُوا: لا يصحُّ [الصلحُ] (٦) معَ الإنكارِ، ومعنَى عدمِ صحتهِ أنهُ لا يطيبُ مالُ الخصمِ معَ إنكارِ المصالحِ، وذلكَ حيثُ يدَّعي عليهِ آخَرُ عَيْنًا أو دَيْنًا فَيُصَالَحُ ببعضِ العينِ أو الدَّيْنِ معَ إنكارِ خَصْمِهِ، فإنَّ الباقي لا يطيبُ لهُ بلْ يجبُ عليهِ تسليمُه لقوله (٧) - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبةٍ منْ نفسه"، وقولُه تعالَى: {عَن تَرَاضٍ} (٨). وأُجِيْبَ بأنَّها قدْ وقعتْ طِيبةُ النفسِ بالرِّضَا بالصلحِ، وعقدُ الصلحِ قدْ صارَ في حكمِ عقدِ المعاوضةِ، فيحلُّ لهُ ما بقيَ.


= في شراج من الحرَّة كانا يستقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمتك، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ حقه للزبير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري، فلما أحفَظَ الأنصاريُّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم.
أخرجه البخاري (٢٧٠٨) وأطرافه (٢٣٦٠، ٢٣٦١، ٢٣٦٢، ٤٥٨٥)، ومسلم (١٢٩/ ٢٣٥٧)، وأبو داود (٣٦٣٧)، والترمذي (١٣٦٣)، والنسائي (٥٤٠٧)، وابن ماجه (٢٤٨٠). (١) انظر: "بداية المجتهد" (٤/ ٩٥). بتحقيقنا.
(٢) انظر: "المغني" (٤/ ١٠).
(٣) انظر: "المبسوط" (٢٠/ ١٣٤).
(٤) انظر: "البحر الزخار" (٥/ ٩٦).
(٥) انظر: "روضة الطالبين" (٤/ ١٩٨).
(٦) زيادة من (ب).
(٧) انظر تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (٤/ ٨١٨) من كتابنا هذا.
(٨) سورة النساء: الآية ٢٩.