للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه - قالَ: اشتركت أنا وعمارٌ وسعدٌ فيما نصيبُ يومَ بدرٍ، الحديث). تمامُه: فجاءَ سعدٌ بأسيرينِ ولم أجئ أنا وعمارٌ بشيء (رواه النسائيُّ). فيهِ دليل على صحَّةِ الشِّركةِ في المكاسبِ، وتسمَّى شركةَ الأبدانِ، وحقيقتُها أنْ يوكِلَ كل صاحبَه أنْ يتقبَّلَ ويعملَ عنهُ في قدْر معلوم، ويعينانِ الصنعةَ. وقدْ ذهبَ إلى صحَّتِها الهادويةُ (١)، وأبو حنيفةَ (٢)، وذهبَ الشافعي (٣) إلى عدمِ صِحَّتِها لبنائِها على الغَرَرِ، إذْ لا يقطعانِ بحصوله الربحِ لتجويزِ تَعَذُّرِ العملِ، وبقولِه قالَ أبو ثَوْرٍ (٤) وابْنُ حَزْمٍ. وقال ابنُ حَزْمٍ: لا تجوزُ الشركةُ بالأبدانِ في شيء منَ الأشياءِ أَصْلًا فإنْ وقعتْ فهيَ باطلةٌ لا تلزمُ، ولكلّ واحدٍ منْهما ما كسبَ، فإنْ اقتسماهُ وجبَ أنْ يُقْضَى لهُ ما أخذهُ وإلا بدَّلَه لأنَّها شرطٌ ليسَ في كتابِ اللَّهِ فهوَ باطلٌ. وأما حديثُ ابن مسعودٍ فهوَ منْ روايةِ ولدِه أبي عبيدةَ بن عبدِ اللَّهِ، وهوُ خبرٌ مُنْقَطِعٌ لأنَّ أبا عبيدةَ لم يذكرْ عنْ أبيهِ شيئًا، فقدْ رويناهُ منْ طريقِ وكيعٍ، عنْ شعبةَ، عنْ عمرِو بن مُرَّةَ قالَ: قلتُ لأبي عبيدةَ: أتذكرُ منْ عبدِ اللَّهِ شيئًا؟ قالَ: لا ولوّ صحَّ لكانَ حجةً على مَنْ قالَ بِصحَّةِ هذهِ الشركةِ، لأنَّهم أولُ قائلٍ مَعَنَا ومعَ سائرِ المسلمينَ: إنَّ هذه شركةٌ لا تجوزُ، وإنهُ لا ينفردُ أحدٌ منْ أهلِ العسكرِ بما يصيبُ دونَ جميعِ أهلِ العسْكرِ إلَّا السلبَ للقاتلِ على الخلافِ، فإنْ فعلَ فهوَ غلولٌ منْ كبائرِ الذنوبِ، ولأنَّ هذهِ الشركةَ لو صحَّ حديثُها فقدْ أبطلَها اللَّهُ عزَّ وجلَّ وأنزلَ: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (٥) الآية؛ فأبطلها اللَّهُ تعالى وقسَّمها هوَ بينَ المجاهدينَ، ثمَّ إنَّ الحنفيةَ (٦) لا يجيزونَ الشركةَ في الاصطيادِ، ولا يجيزُها المالكيون (٧) في العملِ في [مكانين] (٨)، فهذهِ الشركةُ في الحديثِ لا تجوزُ عندَهم (٩) اهـ.


= قلت: وأخرجه أبو داود (٣٣٨٨)، وابن ماجه (٢٢٨٨)، والبيهقي (٦/ ٧٩)، وإسناده ضعيف للانقطاع بين أبي عبيدة وأبيه عبد الله بن مسعود، فإنه لم يسمع منه، وقد سكت عليه الحافظ في "التلخيص" (٣/ ٤٩)، وضعَّفه المحدث الألباني في "الإرواء" (٥/ ٢٩٥ رقم ١٤٧٤).
(١) انظر: "البحر الزخار" (٤/ ٩٤).
(٢) انظر: "المبسوط" (١١/ ١٥١)،
(٣) انظر: "روضة الطالبين" (٤/ ٢٧٩).
(٤) انظر: "المحلَّى" (٨/ ١٢٢: ١٢٤).
(٥) سورة الأنفال: الآية ١.
(٦) انظر: "المبسوط" (١١/ ٢١٧، ٢١٨).
(٧) انظر: "بداية المجتهد" (٤/ ١٢) بتحقيقنا.
(٨) في (ب): "المكانين".
(٩) آخر كلام ابن حزم في "المحلّى".