للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ جابرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: الجارُ أحقُّ بشفعة جارِه يَنْتَظِرُ بها وإنْ كانَ غائبًا، إذا كان طريقُهما واحدًا. رواهُ أحمدُ، والأربعةُ، ورجاله ثقاتٌ). أحسنَ المصنفُ بتوثيقِ رجالِه، وعدمِ إعلالِه، وإلا فإنَّهم قدْ تكلَّموا في هذِهِ الروايةِ (١) بأنهُ انفردَ بزيادةِ قولِه: "إذا كانَ طريقُهما واحدًا"، عبدُ الملكِ بنُ أبي سليمان [العرزميِّ] (٢).

قلت: وعبد الملكِ ثقة مأمون لا يضرُّ انفرادُه كما عُرِفَ في الأصولِ وعلومِ الحديثِ، والحديثُ منْ أدلةِ شُفْعَةِ الجارِ إلَّا أنهُ قيَّدهُ بقولِه: "إذَا كانَ طريقُهما واحدًا". وقدْ ذهبَ إلى اشتراطِ هذا بعضُ العلماءِ (٣) قائلًا بأنَّها تثبتُ الشفعةُ للجارِ إذا اشتركَ في الطريقِ. قالَ في الشرحِ: ولا يبعدُ اعتبارُه. أما مِنْ حيثُ الدليلُ فللتصريحِ بهِ في حديثِ جابرٍ هذا. ومفهومُ الشرطِ أنهُ إذا كانَ مختلِفًا فلا شفعةَ، وأما منْ حيثُ التعليلُ فلأن شرعيةَ الشفعةِ لمناسبةِ دَفْعِ الضررِ، والضررُ بحسبِ الأغْلَبِ إنَّما يكونُ معَ شدَّةِ الاختلاطِ وشبكةِ الانتفاعِ، وذلكَ إنَّما هوَ معَ الشريكِ في الأصلِ أوْ في الطريقِ، ويندرُ الضررُ معَ عدمِ ذلكَ. وحديثُ جابرٍ المُقَيَّدُ بالشرطِ لا يحتملُ التأويلَ المذكورَ أوَّلًا، لأنهُ إذا كانَ المرادُ بالجارِ الشريكُ فلا فائدةَ لاشتراطِ كونِ الطريقِ واحدًا.

قلت: ولا يَخْفَى أنهُ قدْ آلَ الكلامُ إلى الخليطِ لأنهُ معَ اتحادِ الطريقِ تكونُ الشفعةُ للخلطةِ فيها، وهذا هو الذي قرَّرْناهُ في "منحةِ الغفار" (٤) حاشيةِ ضوءِ النهارِ. قالَ ابنُ القيمِ (٥): وهوَ أعدلُ الأقوالِ، وهوَ اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابن تيمةَ. وحديثُ جابر هذا صريحٌ فيهِ فإنهُ أثبتَ الشفعةَ بالجوارِ معَ اتحادِ الطريقِ، ونفاها بهِ في حديثِه الآخَرِ معَ [اختلافهما] (٦) حيثُ قالَ: "فإذا وقعتِ الحدودُ، وصُرِّفَتِ الطرقُ فلا شفعةَ". فمفهومُ حديثِ جابرٍ هذَا هوَ بعينِه منطوقُ حديثِه المتقدِّمِ، فأحدُهما يُصَدِّقُ الآخرَ ويوافقُه، ولا يعارضُه ويناقضُه، وجابرُ رَوَى اللفظينِ فتوافقتِ السننُ وائتلفتْ بحمدِ اللَّهِ، انتهى بمعناهُ.


(١) انظر: "سنن الترمذي" (٣/ ٥٦٢).
(٢) في (ب): "العزرمي".
(٣) انظره في: "المغني" (٥/ ٤٦١) عن ابن شبرمة والثوري وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي وأبو حنيفة.
(٤) (٣/ ١٤٢٧، ١٤٢٨).
(٥) انظر: "إعلام الموقعين" (٢/ ١٥٠).
(٦) في (ب): "اختلافها".