للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخلافُ الذي في الماءِ، وذلكَ لعمومِ الحاجةِ وتسامحِ الناسِ في ذلك.

وأما الماءُ فقد تقدَّم الكلامُ فيهِ، وأنهُ يحرمُ منعُ المياهِ المجتمعةِ منَ الأمطارِ في أرضٍ مباحةٍ، وأنَّهُ ليس أحدٌ أحقَّ بها من أحدٍ، إلَّا لقربِ أرضِه منها، ولو كان في أرضٍ مملوكةٍ فكذلك، إلا أن صاحبَ الأرضِ المملوكةِ أحقُّ بهِ يسقيها ويسقي ماشيتَه، ويجبُ بَذْلُه لما فضلَ منْ ذلك، فلو كانَ في أرضِه أو دارِه عينٌ نابعةٌ أو بئرٌ احتفرَها، فإنهُ لا يملكُ الماءَ بلْ حقُّه فيهِ تقديمُه في الانتفاعِ على غيرِهِ، وللغيرِ دخولُ أرضهِ كما سلفَ.

فإنْ قيلَ: فهلْ يجوزُ بيعُ العينِ والبئرِ نفسِهما؟ قيلَ: يجوزُ بيعُ العينِ والبئرِ لأنَّ النَّهْيَ واردٌ عنْ بيعِ فَضْلِ الماءِ لا البئرِ والعيونِ في قراراها، والمشتري لهما أحقُّ بمائِهِمَا بقدْرِ كفايتِهِ، وقدْ ثبتَ (١) شراءُ عثمانَ لبئرِ رومةَ منَ اليهوديِّ بأمرِهِ - صلى الله عليه وسلم - وسبَّلَها للمسلمينَ.

فإنْ قيلَ: إذا كانَ الماءُ لا يُمْلَكُ فكيفَ تحجَّرَ اليهوديُّ البئرَ حتَّى باعَها منْ عثمانَ؟ قيلَ: هذا كانَ في أولِ الإسلامِ حينَ قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وقبلَ تَقَرُّرِ الأحكامِ على اليهوديِّ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أبقاهم أولَ الأمرِ على ما كانُوا عليهِ وأقرهم على ما تحتَ أيديهمْ.

* * *


(١) انظر تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (١٣/ ٧٤٨) من كتابنا هذا، وهو في صحيح البخاري.