للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كتابُ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ مَوْتِهِ: "أن لا تنتفعوا منَ الميتةِ بإهابٍ ولا عَصَبٍ"، وفي رواية الشافعيِّ، وأحمد (١)، وأبي داودَ (٢): قَبْلَ موتِهِ بشهرٍ، وفي روايةٍ: بشهرٍ أو شهرين. قال الترمذيُّ: حسنٌ، وكانَ أحمدُ يذهبُ إليهِ ويقولُ: هذا آخرُ الأمرينِ، ثم تركَهُ. قالوا: فهذا ناسخ لحديث ابن عباسٍ لدلالتهِ على تحريمِ الانتفاعِ من الميتةِ بإهابها وعصبِها. وأجيبَ عنهُ بأجوبةٍ:

الأولُ: أنَّهُ حديثٌ مضطربٌ (٣) في سندِهِ؛ فإنه رُوي تارةً عن كُتَّاب

النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وتارةً عن مشايخ من جُهَيْنَةَ، وتارةً عمَّنْ قرأَ كتابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ومضطربٌ أيضًا في متنهِ؛ فرُوي مِنْ غيرِ تقييدٍ في روايةِ الأكثر، ورُوي [بالتقييدِ بشهر] (٤) أو شهرين، أو أربعينَ يومًا أو ثلاثةَ أيامٍ. ثم إنهُ مُعَلٌّ أيضًا بالإرسالِ؛ فإنهُ لم يسمعْهُ عبدُ اللَّهِ بنُ عُكَيم منهُ - صلى الله عليه وسلم -، وبالانقطاع؛ فإنه لم يسمعْهُ عبدُ الرحمنِ


(١) في "المسند" (٤/ ٣١٠).
(٢) في "السنن" (٤/ ٣٧١ رقم ٤١٢٨).
قلت: حديث عبدِ اللَّهِ بن عُكَيم صحيح. وقد صححهُ الألبانيُّ في "الإرواء" (رقم: ٣٨).
(٣) المُضْطَرِبُ: هو الحديثُ الذي رُوِيَ على أوجه مختلفة على التساوي في الاختلافِ من راوٍ واحدٍ - بأن رواهُ مرةً على وجهٍ، وأخرى على وجهٍ آخرِ مخالفٍ للأوَّل -، أو أكثر من واحدٍ: بأن رواه كلٌّ من الرواةِ على وجهٍ مخالِفٍ للآخرِ، فلا يكونُ الحديثُ مضطربًا إلا إذا تساوَتْ الرواياتُ المختلفَةُ فيه في الصحةِ بحيث لا يمكنُ الترجيحْ بينَها ولا الجمع.
أما إذا ترجَّحت إحدى الروايات بكون راويها أحفظَ أو أكثر صحبةً للمروي عنهُ أو غيرَ ذلكَ من وجوهِ الترجيح فلا يكونُ مضطربًا، بل الحكمُ بالقبول حينئذٍ للراجح حتمًا، والمرجوحُ يكونُ شاذًّا أو منكرًا.
كما أَنَّ الحديثَ لا يكونُ مضطربًا إذا أمكنَ الجمع بينَ رواياته المختلفة بحيث يكونُ المتكلمُ قد عبَّر بلفظتينِ أو أكثرَ عن معنى واحد أو قصد بيانَ حكمين متغايرينِ.
ويقع الاضطرابُ في الإسنادِ، أو في المتنِ، أو في كليهما.
أما حكم المضطرب: فالأصلُ في الاضطرابِ حيث وقعَ أنهُ يوجبُ ضعفَ الحديثِ، لإشعاره بعدمِ ضبط راويهِ أو رواتِهِ، وقد تقدمَ أن الضبطَ شرطٌ في الصحيح والحسنِ، وقد تجتمعُ صفة الاضطراب معَ الصحةِ، وذلك بأن يقعَ الاختلافُ في اسمَ رجلٍ واحدٍ وأبيه ونسبتهِ ونحو ذلكَ، ويَكونُ ثقةً، فيُحكم للحديث بالصحةِ، ولا يضرُّ الاختلافُ فيما ذُكرَ مع تسميتِهِ مضطربًا، وفي الصحيحين أحاديث كثيرةٌ بهذهِ المثابةِ.
انظر: "التبصرة والتذكرة" (١/ ٢٤٠ - ٢٤٥).
(٤) في النسخة (أ): "تقييد شهر".