للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالُوا: لورودِ ذلكَ في بعضِ الرواياتِ، وقالُوا: لا يضرُّهُ الجهلُ بالعددِ إذا عرفَ العِفاصَ والوكَاءَ، فأما إذا عرفَ إحدى العلامتينِ المنصوصِ عليها منَ العفاصِ والوكاءِ، وجَهِلَ الأُخْرَى فقيلَ: لا شيءَ لهُ إلا بمعرفتِهِما جميعًا. وقيلَ: تُدْفَعُ إليه بعدَ الإنظارِ مدةً، ثمَّ اختُلِفَ هلْ تُدْفَعُ إليهِ بعدَ وَصْفِهِ [عفاصها] (١) ووكائِها بغيرِ يمينٍ، أمْ لا بدَّ منَ اليمينِ؟ فقيلَ: تُدْفَعُ إليهِ بغيرِ يمينٍ لأنهُ ظاهرُ الأحاديثِ. وقيلَ: لا تُردُّ إليهِ إلَّا بالبيِّنةِ. وقالَ منْ أوْجَب البيِّنةَ: إنَّ فائدةَ أمرِ الملتقطِ بمعرفَتِها لِئَلَّا تَلْتَبِسُ بمالِه لا لأَجْلِ ردِّها لمنْ وصفَها؛ فإنَّها لا تُرَدُّ إليهِ إلا بالبيِّنةِ. قالُوا: وذلكَ لأنهُ مدَّع لا يُسَلَّمُ إليهِ ما ادَّعَاهُ إلَّا بالبينةِ، وهذَا أصلٌ مُقَرَّرٌ شَرْعًا لا يخرجُ عنهُ بمجردِ وصفِ المدَّعِي للعِفاصِ والوِكَاءِ.

وأُجيْبَ بأنَّ ظاهرَ الأحاديثِ وجوبُ الردِّ بمجرَّدِ الوصْفِ؛ فإنهُ قالَ (٢) - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَعْطِها إيَّاهُ". وفي حديثِ البابِ يقدر بعدَ قولِه: فإنْ جاءَ صاحِبُها فأعْطِهِ إيَّاهَا، وإنَّما حُذِفَ جوابُ الشرطِ للعلمِ بهِ. وحديثُ (٣): "البيِّنةُ على المدَّعي"، ليستِ البيِّنةُ مقصورة على الشهادةِ، بل هيَ عامة لكل ما يَتَبَيَّنُ بهِ الحقُّ، ومنْها وصفُ العِفَاصِ والوِكَاءِ، على أنهُ قدْ قالَ منِ اشترطَ البينةَ إنَّها إذا ثبتتِ الزيادةُ وهي قولُه: فأعطِها إياهُ، كانَ العملُ عليها، والزيادةُ قدْ صحَّتْ كما حقَّقَهُ المصنفُ (٤) - رحمه الله؛ فيجبُ العملُ بها، ويجبُ الردُّ بالوصفِ، وكما أوجبَ عيهم التعريفَ بها فقدْ حدَّ وقْتَه بسنةٍ فأوجبَ التعريفَ بها سنة، وأما ما بعدَها فقيلَ لا يجبُ التعريفُ بها بعدَ السنةِ، وقيلَ: يجبُ، والدليلُ معَ الأَوَّلِ، ودلَّ على أنهُ يعرِّفُ بها سنةً لا غيرُ، حقيرةً كانتْ أوْ عظيمةً، ثمَّ التعريفُ يكونُ في مظانِّ اجتماعِ الناسِ منَ الأسواقِ وأبوابِ المساجدِ والمجامعِ الحافلةِ، قولُه: "وإلَّا فشأْنَكَ بها"، نَصَبَ شَأْنَكَ على الإغراءِ، ويجوزُ رفْعُه على الابتداءِ وخبرُه بها، وهوَ تفويضٌ لهُ في حِفْظِها أو الانتفاعِ بها، واستُدِلَّ بهِ على جوازِ تصرُّفِ الملْتَقِطِ بها بأي تصرُّفِ، إما بِصَرْفِها


(١) في (ب): "لعفاصها".
(٢) في رواية في الصحيح (٥/ ٩١ رقم ٢٤٣٦): "فأدها إليه".
(٣) انظر تخريجه برقم (١/ ١٣٢٧) من كتابنا هذا.
(٤) في "فتح الباري" (٥/ ٧٨).