للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في نَفْسِه غَنِّيًا كانَ أوْ فقيرًا، أو التصدُّقِ بها، إلَّا أنهُ قدْ وردَ منَ الأحاديثِ ما يقتضي بأنه لا يملكها، فعندَ مسلمٍ (١): "ثمَّ عرِّفْها سنة فإنْ لم يَجِئْ صاحِبُها كانتْ وديعةً عِندَكَ"، وفي روايةٍ (٢): "ثمَّ عرِّفْها سنةً فإنْ لم تعرِّفْ فاسْتَنْفِقْها ولتكنْ وديعةً عِنْدَك، فإنْ جاءَ طَالِبُها يومًا منَ الدهرِ فأدِّها إليهِ". ولذلكَ اختلفَ العلماءُ في حُكْمِها بعدَ السُّنَّة، [فقال] (٣) في "نهاية المجتهد" (٤): إنهُ اتفقَ فقهاءُ الأمصارِ: مالكٌ، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ أن لهُ تَمَلّكَها، ومثلُه عنْ عمرَ، وابنِه، وابنِ مسعودٍ، وقالَ أبو حنيفةَ (٥): ليسَ لهُ إلا أنْ يتصدقَ بها، ومثلُه يُرْوَى عنْ عليّ، وابنِ عباسٍ، وجماعةٍ منَ التابعينَ، وكلُّهم متفقونَ على أنهُ إنْ أكَلَهَا ضمِنَها لصاحبِها إلَّا أهلَ الظاهرِ، فقالُوا: تحلُّ لهُ بعدَ السَّنةِ وتصيرُ مالًا منْ مالِه، ولا يضمنُها إنْ جاءَ صاحِبُها.

قلتُ: ولا أدري ما يقولونَ في حديثِ مسلم (٦) ونحوه الدالِّ على وجوبِ ضَمَانِها، وأقربُ الأقوالِ ما ذهبَ إليهِ الشافعيُّ (٧) ومَنْ معهُ؛ لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - أَذنَ في استنفاقِهِ لها ولمْ يأمرْهُ بالتصدُّقِ بها، ثمَّ أمرهُ بعدَ الإذْنِ في الاستنفاقِ أنْ يردَّها إلى صاحبِها إنْ جاءَ يومًا منَ الدَّهْرِ، وذلكَ تضمينٌ لها.

المسألةُ الثانيةُ: في ضالةِ الغَنَم فقدِ اتفقَ العلماءُ على أن لِوَاجِدِ الغَنَمِ في المكانِ القفْرِ البعيدِ منَ العُمرانِ أنْ يأكلَها لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - (٨): "هيَ لكَ، أوْ لأخيكَ، أوْ للذئبِ"؛ فإنَّ معناهُ أنَّها معرَّضَةٌ للهلاكِ، متردِّدةٌ بينَ أنْ تأخذَها، أوْ أخُوكَ، والمرادُ بهِ ما هوَ أعمُّ منْ صاحِبها، أوْ منْ ملتقِطٍ آخرَ، والمرادُ منَ الذئبِ جِنْسُ ما يأكلُ الشاةَ منَ السباعِ، وفيهِ حثٌّ على أخْذ إيَّاها. وهلْ يجبُ عليهِ ضمانُ


(١) في "صحيحه" (٣/ ١٣٤٨ رقم ٤/ ١٧٢٢).
(٢) في "صحيح مسلم" أيضًا (٥/ ١٧٢٢).
(٣) في (ب): "قال".
(٤) بنحوه فيه (٤/ ١١٧ - ١١٨) بتحقيقنا.
(٥) عبارة "البداية" (٤/ ١١٧): "وقال أبو حنيفة: ليس له أن يأكلها أو يتصدق بها" اهـ.
(٦) يعني في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر فأدها إليه"، وهو فيه (٣/ ١٣٤٩ رقم ٥/ ١٧٢٢) وتقدم قريبًا.
(٧) انظر: "الأم" (٤/ ٧٢).
(٨) في حديث زيد بن خالد الجهني المتقدم برقم (٢/ ٨٨٨).