للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يتجاوزَ ذلكَ. ورَوَى مسلمٌ (١) عن ابن عمرَ راوي الحديثِ أنهُ قالَ: لمْ أبتْ ليلةً إلَّا ووصيَّتي مكتوبةٌ عندي، وأما ما أخرجَهُ ابنُ المنذرِ (٢) بسندٍ صحيحٍ عنْ نافعٍ أنهُ قيلَ لابنِ عمرَ في مرضِ موتهِ: ألا تُوصِي؟ [فقال:] أما مالي فاللهُ أعلمُ ما كنتُ أصنعُ فيهِ، فَيُجْمَعُ (٣) بينَهُ وبينَ ما قَبْلَهَ بأنهُ كانَ يكتبُ وَصِيَّتَهُ، ويتعاهدُها وينجزُ ما كانَ يوصي بهِ حتَّى وَفَدَ عليهِ الموتُ، ولم يكنْ لهُ شيءٌ يوصي بهِ.

وفي قولِهِ: "أما مالي فاللَّهُ أعلمُ ما كنتُ أصنعُ فيهِ"، ما يدلُّ لِهَذَا الجَمْعِ.

واستدلَّ بقولِه: "مكتوبةٌ عندَهُ"، على جوازِ الاعتمادِ على الكتابةِ والخطِّ، وإنْ لم يقترنْ بشهادةٍ.

وقالَ بعضُ أئمةِ الشافعيةِ (٤): إنَّ ذلكَ خاصٌّ بالوصيةِ، وأنهُ يجوزُ الاعتمادُ على الخطِّ فيها منْ دونِ شهادةٍ لثُبُوتِ الخبرِ فيها، ولأنَّ الوصيةَ لما أمرَ الشارعُ - صلى الله عليه وسلم - بها وهيَ تكونُ مما يلزمُ المؤمن منْ حقوقٍ ولوازمَ لا تزال تُجَدّدُ في الأوقاتِ، واستصحابُ الإشهادِ في كل لازِمٌ يريدُ أنْ يتخلَّصَ منهُ خشيةَ مفاجأةِ الأجلِ متعسِّرٌ بل متعذرٌ في بعضِ الأوقاتِ، فيلزمُ منهُ عَدَمُ وجوب الوصيةِ أوْ شرعيَّتُها بالكتابةِ منْ دون شهادةٍ؛ إذْ لا فائدةَ في ذلكَ. وقدْ ثبتَ الأمرُ المذكورُ في الحديثِ بها فدلَّ على قَبُولِهَا منْ غيرِ شهادةٍ.

وقالَ الجماهيرُ (٥): المرادُ مكتوبة بشروطها وهوَ الشهادةُ واستدلُوا بقولهِ تعالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (٦)؛ فإنه دالٌّ على اعتبارِ الإشهادِ في الوصيةِ، وأَجِيْبَ بأنهُ لا يلزمُ منْ ذِكْرِ الإشهادِ في الآيةِ أنَّها لا تَصِحُّ الوصيةُ إلَّا بهِ، والتحقيقُ أن المُعْتَبَرَ معرفةُ الخطِّ فإذا عُرِفَ خطُّ الموصِي عُمِلَ بهِ، ومثلُه خَطُّ الحاكِم، وعليهِ عَمِلَ الناسُ قديمًا وحديثًا، وقدْ كانَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يبعثُ الكتبَ (٧) يدعُو فيها العبادَ إلى اللَّهِ تعالى وتقومُ عليهمُ الحجَّةُ بذلكَ، ولم يزلِ


(١) في "صحيحه" (٤/ ١٦٢٧).
(٢) نسبه إليه الحافظ في "الفتح" (٥/ ٣٥٩) وصححه.
(٣) جمع بينهما الحافظ في "الفتح".
(٤) بيَّنه الحافظ في "الفتح" بأنه محمد بن نصر وهو المروزي.
(٥) انظر: "الفتح" (٥/ ٣٥٩).
(٦) سورة المائدة: الآية ١٠٦.
(٧) من ذلك ما أرسله إلى هرقل عظيم الروم، أخرجه البخاري (٧) وأطرافه في (٥١، ٢٦٨١، =