للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ لنا رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: يا معشرَ الشَّبابِ من استطاعَ مِنْكمُ الباءةَ) بالباءِ الموحدةِ والهمزةِ والمدِّ (فليتزوَّجْ، فإنهُ أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ، ومنْ لم يستطعْ فعليهِ بالصومِ فإنهُ لهُ وِجَاءٌ) بكسرِ الواوِ والجيمِ والمدِّ (متفقٌ عليهِ)، وقعَ الخطابُ منهُ - صلى الله عليه وسلم - للشبابِ لأنَّهم مظنةُ الشهوةِ للنساءِ. [وقد] (١) اختلفَ العلماءُ (٢) في المرادِ بالباءةِ، والأصحُّ أن المرادَ بها الجماعُ. فتقديرهُ من [راد] (٣) منكمُ الجماعَ لِقُدْرَتهِ على مُؤنَةِ النكاحِ فليتزوجْ، ومنْ لم يستطعِ الجماعَ لِعَجزِهِ عنْ مُؤْنَتِهِ فعليهِ بالصومِ ليدفعَ شهوتَهُ ويقطعَ شرَّ مائِهِ كما يقطعه الوِجاءُ. ووقعَ في روايةِ ابن حبانَ (٤) مُدْرَجًا تفسيرُ الوجاءِ بأنهُ الإخصاءُ. وقيلَ الوِجاءُ: رضُّ الخصيتينِ، والإخصاءُ: سلُّهما. والمرادُ أن الصَّوْمَ كالوجاءِ والأمر بالتزوجِ يقتضي وجوبَهُ معَ القدْرةِ على تحصيلِ مؤنه، وإلى الوجوبِ ذهبَ داودُ (٥) وهوَ روايةٌ عَنْ أحمدَ (٦). وقالَ ابن حَزْمٍ (٧): وفَرْضٌ على كلِّ قادرٍ على الوَطْءِ إنْ وجدَ أنْ يتزوجَ أو يتسرَّى فإنْ عجزَ عنْ ذلكَ فليكثرْ منَ الصومِ، وقالَ: إنهُ قولُ جماعةٍ منَ السلفِ. وذهبَ الجمهورُ (٨) إلى أن الأمرَ للنَّدْب مستدلينَ بأنهُ تعالَى خَيَّرَ بينَ التزوجِ والتسرِّي بقولِه: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٩). والتسرّي لا يجبُ إجْمَاعًا (١٠) فكذلك النكاحُ لأنهُ لا يخيَّر بين الواجب وغير الواجب، إلَّا أن دَعْوَى الإجماعِ غيرُ صحيحةٍ لخلافِ داودَ وابنِ حزمٍ. وذكرَ ابنُ دقيقِ (١١) العيدِ أن منَ الفقهاءِ مَنْ قالَ بالوجوبِ على مَنْ خافَ الْعَنَتَ، وقَدَرَ على النكاحٍ، وتعذَّرَ التَّسَرِّي، وكَذَا حكاهُ القرطبيُّ (١٢) فيجبُ على مَنْ لا يقدِرُ على تركِ الزّنى


(١) زيادة من (أ).
(٢) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١٠٨).
(٣) في (ب): "استطاع"
(٤) في "صحيحه" (٩/ ٣٣٥ رقم ٤٠٢٦ - الإحسان).
(٥) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١١٠)، و "المغني" (٧/ ٣٣٤).
(٦) انظر: "المغني" (٧/ ٣٣٤).
(٧) "المحلَّى" (٩/ ٤٤٠).
(٨) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١١٠).
(٩) سورة النساء: الآية ٣.
(١٠) عبارة "الفتح" (٥/ ١١٠). والتسرِّي لا يجب اتفاقًا. اهـ.
(١١) انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (٤/ ١٧١ - مع العدة)، و"الفتح"، (٥/ ١١٠ - ١١١).
(١٢) انظر: "فتح الباري" (٥/ ١١١).