للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلَّا بِهِ. ثمَّ ذكرَ مَنْ يحرُمُ عليهِ ويُكْرَهُ، ويُنْدَبُ لهُ ويُبَاحُ، فيحرمُ على منْ يخلُّ بالزوجةِ في الوطْءِ والإنفاقِ معَ قُدْرَته عليهِ وتوقانِهِ إليهِ، ويكرهُ في حقِّ مثلِ هذا حيثُ لا إضرارَ بالزوجةِ، والإباحةُ فيما إذا انتفتِ الدَّواعي والموانعُ، ويُنْدَبُ في حق كل مَنْ يُرْجَى منهُ النَّسْلُ ولوْ لم يكنْ لهُ في الوطءِ شهوةٌ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم - (١): "فإني مكاثرٌ بكمُ الأممَ"، ولظواهرِ الحثِّ على النِّكَاحِ والأمرِ. وقولُهُ: "فعليهِ بالصومِ" إغراءٌ بلزومِ الصومِ، وضميرُ عليهِ يعودُ إلى "منْ" (٢) فهُوَ مخاطبٌ في المعنَى، وإنَّما جُعِلَ الصومُ وجاءَ لأنهُ بتقليلِ الطعامِ والشرابِ يحصلُ للنفسِ انكسارٌ عن الشهوةِ ولسِرٍّ جعلَهُ اللهُ [تعالى] في الصومِ فلا ينفعُ تقليلُ الطعام وحدَه منْ دونِ صومٍ. واستدل بهِ الخطابي (٣) على جوازِ التداوي لقطعِ الشهوةِ بالأدويةِ، وحكاهُ البغويُّ في "شرح السُّنةِ" (٤). ولكنْ يحملُ على دواءٍ يُسَكّنُ الشهوةَ ولا يَقْطَعَها بالأصالةِ لأنهُ قدْ يَقْوَى على وُجْدَانِ مُؤَنِ النِكاحِ، بلْ قدْ وعدَ اللهُ منْ يستعفَ أنْ يُغْنِيَهُ اللهُ منْ فَضْلِهِ؛ لأنهُ جعلَ الإغْناءَ غايةَ الاستعفاف؛ ولأنَّهمُ اتفقُوا عَلَى مَنْعِ الجبِّ والإخْصَاءِ فيلحقُ بذلكَ ما في معناهُ. وفيهِ الحثُّ على تحصيلِ ما يُغَضُّ بهِ البصرُ ويُحْصَنُ الفرجُ، وفيهِ أنهُ لا يُتَكَلَّفُ للنكاحِ بغيرِ الممكنِ كالاستدانةِ. واستدل بهِ [القرافي] (٥) على أن التشريكَ في العبادةِ لا يضرُّ بخلافِ الرياءِ، لكنَّهُ يقالُ (٦) إنْ كانَ المُشَرَّكُ عبادةَ كالمشرَّكِ فيهِ فلا يضر فإنهُ يحصلُ بالصومِ تحصينُ الفرجِ وعضُّ البصرِ، وأما تشريكُ المباحِ كما لو دخلَ إلى الصلاةِ لتركِ خطابِ مَنْ يحلُّ خطابُه فهو محلُّ نظرِ يُحتَملُ القياسُ على ما ذُكِرَ ويحتملُ عدمُ صحةِ القياسِ. نعمْ إنْ دخلَ في الصلاةِ لتركِ الخوضِ في الباطلِ أو الغيبةِ وسماعِها كانَ مَقْصِدًا صحيحًا. واستدل بهِ بعضُ المالكيةِ (٧) على تحريمِ الاستمناءِ لأنهُ لو كانَ مباحًا لأرشدَ إليهِ لأنهُ أسهلُ، وقدْ أباحَ الاستمناءَ بعضُ الحنابلةِ وبعضُ الحنفيةِ.


(١) يأتي تخريجه قريبًا برقم (٣/ ٩١٤).
(٢) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم … ".
(٣) انظر: "معالم السنن" (٣/ ٣).
(٤) (٩/ ٦).
(٥) في المخطوط (أ - ب) والمطبوع "العراقي"، والصواب ما أثبتناه - كما في الفتح -، وانظر له كتاب: "أنوار البروق في أنواء الفروق" المشهور بالفروق للقرافي (٣/ ٢٣ الفرق رقم ١٢٢).
(٦) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١١٢).
(٧) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١١٢).