للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثالثةُ: أنَّ الهِبَةَ لا تَثْبُتُ إلَّا بالقَبولِ.

الرابعةُ: أنهُ لا بدَّ منَ الصَّدَاقِ في النِّكَاحِ وَيصِحُّ أنْ يكونَ شيئًا يَسِيرًا، فإنَّ قَوْلَهُ ولوْ خَاتَمًا منْ حديدٍ مبالغةٌ في تقليلِه، فيصحُّ بكل ما تراضَى عليهِ الزوجانِ أوْ مَنْ إليهِ ولايةُ العقدِ مما فيهِ منفعةٌ، وضابطُه أن كلَّ ما يصلحُ أنْ يكونَ قيمة وثمنًا لشيءٍ يصحُّ أنْ يكونَ مَهْرًا. ونقلَ القاضي عياضُ (١) الإجماعَ على أنهُ لا يصحُّ أنْ يكونَ مما لا قيمةَ لهُ ولا يحلُّ بهِ النكاحُ. وقالَ ابنُ حزمِ (٢) ررحمه الله: يصح بكل ما يُسَمَّى شيئًا ولو حبةً منْ شعيرٍ لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هلْ تجدُ شيئًا"؟ وأجيبَ بأنَّ قولَهُ - صلى الله عليه وسلم - ولوْ خَاتَمًا منْ حديدٍ مبالغةٌ في التقليلِ ولهُ قيمةٌ، وبأنَّ قولَه في الحديثِ: منِ استطاعَ منكمُ الباءةَ ومنْ لم يستطعْ دلَّ على أنهُ شيءٌ لا يستطيعُه كل أحدٍ، وحبةُ الشعيرِ مستطاعةٌ لكلِّ أحدٍ، وكذلكَ قولُهُ تعالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} (٣) وقولُه [تعالى]: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (٤) دالٌّ على اعتبارِ الماليةِ في الصَّدَاقِ حتَّى قالَ بعضُهم: أقلُّهُ خمسونَ، وقيلَ أربعونَ، وقيلَ خمسةُ دراهم وإنْ كانتْ هذهِ التقاديرُ لا دليلَ على اعتبارِها بخصوصِهَا، والحقُّ أنهُ يَصِح بما يكونُ لهُ قيمةٌ وإنْ تحقَّرَتْ. والأحاديثُ والآياتُ يُحْتَمَلُ أنَّها خرجتْ مخرجَ الغالب، وأنهُ لا يقعُ الرِّضَا منَ الزوجةِ إلَّا بكونِهِ مالًا لهُ صورةٌ، ولا يطيقُ كلُّ أحدٍ تحصَيلَهُ.

الخامسةُ: أنه ينبغي ذِكْرُ الصَّدَاقِ في العقدِ لأنهُ أقطعُ للنزاعِ وأنفعُ للمرأةِ، فلوْ عقدَ بغيرِ ذكرِ صداقٍ صحَّ العقدُ ووجبَ لها مهرُ المِثْلِ بالدخولِ، وأنهُ يُسْتَحَبُّ تعجيلُ المهرِ.

والسادسةُ: أنهُ يجوزُ الْحَلِفُ وإنْ لم تكنْ عليهِ اليمينُ، وأنهُ يجوزُ الحلفُ على ما يظنُّه الحالف لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُ بعدَ يمِينه: "اذهبْ إلى أهْلِكَ فانظرْ هلْ تجدُ شيئًا"؟ فدلَّ أن يمينَهُ كانتْ على ظَنِّهِ، ولوْ كانتْ لا تكونُ إلَّا عَلَى علم لم يكنْ للأمرِ بذَهَابِه إلى أَهْلِهِ فائدةٌ.

السابعةُ: أنهُ لا يجوزُ للرَّجُلِ أنْ يُخْرِجَ منْ ملكِهِ ما لا بدَّ لهُ منهُ كالذي يسترُ عورتَه أو يسدَّ خلَّتَهُ منَ الطعامِ والشرابِ، لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّلَ مَنْعَهُ عنْ قِسْمَةِ ثوبِه بقولِه: "إنْ لَبِسَتْه لم يكنْ عليكَ منهُ شيءٌ".


(١) انظر: "فتح الباري" (٩/ ٢١١).
(٢) في "المحلى" (٩/ ٤٩٤ مسألة رقم ١٨٤٧).
(٣) سورة النساء: الآية ٢٥.
(٤) سورة النساء: الآية ٢٤.