للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فنكاحُها باطلٌ، فإنْ دخلَ بها فلها المهرُ بما استحلَّ منْ فَرْجِها، فإنْ اشْتَجَرُوا فالسلطانُ وليُّ مَنْ لا وليَّ لها. أخرجَهُ الأربعةُ إلَّا النسائيَّ وصحَّحَهُ أبو عُوَانَةَ وابنُ حِبَّانَ والحاكمُ)، قالَ ابنُ كثيرٍ: وصحَّحَهُ يحيَى بنُ معينٍ وغيرُه منَ الحفَّاظِ. قالَ أبو ثورٍ [قولُه] (١): "بغيرِ إذْنِ وَلِيِّها" يُفْهَمُ منهُ أنهُ إذا أَذِنَ لها جازَ أنْ تعقدَ لِنَفْسِها، وأجيبَ (٢) بأنهُ مفهومٌ لا يقْوى على معارضةِ المنطوقِ باشتراطِه. واعلمْ أنها طعنت الحنفيةُ (٣) في هذا الحديثِ بأنهُ رواهُ سليمانُ بنُ موسى عن الزُّهْرِيِّ، وسُئِلَ الزُّهْرِيُّ عنْهُ فلمْ يَعْرِفْهُ، والذي رَوَى هذا القَدْحَ هو إسماعيلُ بنُ عليةَ القاضي عن ابن جريج الراوي عنْ سليمانَ أنهُ سألَ الزُّهْرِيَّ عنهُ أي عن هذا الحديثِ فلم يعرفْه، وأُجِيْبَ (٤) عنهُ بأنهُ لا يلزمُ منْ نسيانِ الزُّهْرِي لهُ أنْ يكونَ سليمانُ بنُ موسى وَهِمَ عليهِ لا سيَّما وقدْ أثْنَى الزُّهْرِيُّ على سليمانَ بن موسى. وقدْ طالَ كلامُ العلماءِ على هذا الحديثِ واستوفَاهُ البيهقيُّ في "السُّننِ الكبرى" (٥)، وقدْ عاضَدَتْهُ أحاديثُ اعتبارِ الوليِّ وغيرُها مما يأتي (٦) في شرحِ حديثِ أبي هريرةَ.

وفي الحديثِ دليلٌ على اعتبارِ إذْنِ الوليّ في النكاحِ وهو بعقدِه لها أوْ عقدِ وكيلِهِ، وظاهرُه أن المرأةَ تستحقُّ المهْرَ بالدخولِ وإنْ كانَ النكاحُ باطلًا لقولِه - صلى الله عليه وسلم -: "فإنْ دخلَ بها فَلَهَا المهرُ بما اسْتَحَلَّ منْ فَرْجِهَا"، وفيهِ دليل على أنهُ إذا اختلَّ ركنٌ منْ أركانِ النكاحِ فهوَ باطلٌ معَ العلمِ والجهلِ، وأنَّ النكاحَ يُسَمَّى باطلًا وصحيحًا ولا واسطةَ.

وقد أثبتَ الواسطةَ الهادويةُ (٧) وجعلُوها العقدَ الفاسدَ قالُوا: وهوَ ما خالفَ مذهبَ الزوجينِ أو أحدَهما جاهِلينَ ولم تكنِ المخالفةُ في أمرٍ مُجْمَع عليهِ وتُرَتَّبُ عليهِ أحكامٌ مبينةٌ في الفروعِ. والضمير في قولِه: "فإنِ اشْتَجَرُوا" عائدٌ إلى الأولياءِ الدالِّ عليهمْ ذِكْرُ الوليِّ والسياقُ، والمرادُ بالاشتجارِ مَنْعُ الأولياءِ منَ العقدِ عليها، وهذَا هوَ العضْلُ وبهِ تنتقلُ الولايةُ إلى السلطانِ إنْ عضلَ الأقربُ، وقيلَ بلْ تنتقلُ إلى الأبعدِ وانتقالُها إلى السلطانِ مبنيٌّ على مَنْعِ الأقربِ والأبعدِ وهوَ


(١) في (ب) فقولُه.
(٢) نقلنا رد الحافظ عليه أثناء شرح الحديث السابق.
(٣) انظر: "شرح معاني الآثار" (٣/ ٨).
(٤) انظر: "التلخيص الحبير" (٣/ ١٥٧).
(٥) (٧/ ١٠٥: ١٠٧).
(٦) برقم (١٥/ ٩٢٦) من كتابنا هذا.
(٧) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٢٩).