للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المرأةَ ليسَ لها ولايةٌ في الإنكاحِ لنفسِها ولا لغيرِها، فلا عبارَة لها في النكاحِ إيجابًا ولا قبولًا فلا تُزَوِّجُ نفسَها بإِذنِ الوليِّ ولا غيرِه، ولا تُزَوِّجُ غيرَها بولايةٍ ولا بوكالةٍ، ولا تَقْبلُ النكاحَ بولايةٍ ولا وكالةٍ وهوَ قولُ الجمهورِ (١). وذهبَ أبو حنيفةَ (٢) إلى تزويجِ البالغةِ العاقلةِ نفسَها وابنتَها الصغيرةَ وتتوكلُ عن الغيرِ لكنْ لو وضعتْ نفسَها عندَ غيرِ كُفْءٍ، فَلأوْليَائِها الاعتراضُ. وقالَ مالكٌ: تُزَوِّجُ الدنيَّةُ نفسَها دونَ الشريفةِ كما تقدَّمَ (٣). واستدلَّ الجمهورُ بالحديثِ وبقولِه تعالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (٤)، قَالَ الشافعيُّ (٥) رحمه الله: هي أصرحُ آيةٍ في اعتبارِ الوليِّ وإلَّا لَمَا كانَ لَعَضلِهِ معنَى. وسببُ نُزُولها في معقلِ بن يسارٍ زوَّجَ أُخْتَه فطلَّقها زوجُها طلقةً رجعيةً وتركَها حتَّى انقضتْ عدَّتُها ورامَ رجعتَها فحلفَ أنْ لا يزوِّجَها، قالَ: ففيَّ نزلتْ هذهِ الآيةُ. رواهُ البخاريُّ (٦)، زادَ أبو داودَ (٧): فكفَّرتُ عنْ يميني وأنكحتُها إياهُ. فلوْ كانَ لها تزويجُ نفسِها لم يُعَاتَبْ أخاها على الامتناعِ ولكانَ نزولُ الآيةِ لبيانِ أنَّها تُزَوِّجُ نفسَها. وبسببِ نزولِ الآيةِ يُعْرَفُ ضعفُ قولِ الرازي (٨) إنَّ الضميرَ للأزواجِ، وضعفُ قولِ صاحبِ "نهاية المجتهدِ" (٩): إنهُ ليسَ في الآيةِ إلا نَهْيُهُمْ عن العضلِ ولا يُفْهَمُ منهُ اشتراطُ إِذْنِهِمْ في صحةِ العقدِ لا حقيقةً ولا مجازًا، بلْ قدْ يُفْهَمُ منهُ ضدُّ هذا وهوَ أن الأولياءَ ليسَ لهم سبيلٌ على مَنْ يلونَهم اهـ. ويُقَالُ عليهِ: قدْ فهمَ السلفُ شرطَ إِذْنِهِمْ في عصرِه - صلى الله عليه وسلم - وبادرَ منْ نزلتْ فيهِ إلى التكفيرِ عنْ يمينِهِ والعقدِ، ولوْ كانَ لا سبيلَ للأولياءِ لأبانه تعالَى غايةَ البيانِ، بلْ كرَّرَ تعالى كونَ الأمرِ إلى الأولياءِ في عِدَّةِ آياتٍ ولمْ يأتِ حرفٌ واحدٌ أن للمرأةِ إنكاحُ نفسِها، ودلَّتْ أيضًا على أن نِسبةَ النكاحِ إليهنَّ في الآياتِ


(١) انظر: "بداية المجتهد" (٣/ ٢٦) بتحقيقنا.
(٢) انظر: "المبسوط" (٥/ ١٠).
(٣) أثناء شرح الحديث رقم (١١/ ٩٢٢) من كتابنا هذا.
(٤) سورة البقرة: الآية ٢٣٢.
(٥) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١٨٧).
(٦) في "صحيحه" (٥١٣٠).
(٧) في "سننه" (٢٠٨٧). وأخرجه الترمذي (٢٩٨١)، والبيهقي (٧/ ١٠٤).
(٨) انظر: "التفسير الكبير" له (٦/ ١١٢).
(٩) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (٣/ ٢٢ - ٢٣) بتحقيقنا.