للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نفسَها يقولُ بأنهُ يُنْكِحُها وليُّها أيضًا فيلزمُ أن الآيةَ لم تفِ بالدلالةِ على تحريمِ إنكاحِ المشركينَ للمسلماتِ لأنَّها إنَّما دلَّتْ على نَهْي الأولياءِ عنْ إنكاحِ المشركينَ لا على نَهْي المسلماتِ أنْ يُنْكِحْنَ أنفسَهنَّ منْهم. وقدْ عُلِمَ تحريمُ نكاحِ المشركينَ المسلماتِ فالأمرُ للأولياءِ دالٌّ على أنهُ ليسَ للمرأةِ ولايةٌ في النكاحِ.

ولقدْ تكلَّمَ صاحبُ "نهاية المجتهدِ" على الآيةِ بكلامٍ في غايةِ السُّقوطِ فقالَ (١): الآيةُ مترددةٌ بينَ أنْ تكونَ خطابًا للأولياءِ أوْ لأُولي الأمرِ، ثمَّ قالَ: فإنْ قيلَ هوَ عام والعامُّ يشملُ أُولي الأمرِ والأولياء، قيل: هذَا الخطابُ إنَّما هوَ خطابٌ بالمنعِ، والمنعُ بالشرعِ، فيستوي فيهِ الأولياءُ وغيرُهم، وكونُ الولي مأمورًا بالمنعِ بالشرعِ لا يوجبُ لهُ ولاية خاصة بالإذنِ، ولو قُلْنا: إنهُ خِطابٌ للأولياءِ يوجبُ اشتراطَ إِذْنِهِمْ في النكاحِ لكانَ مجملًا لا يصحُّ بهِ عملٌ لأنهُ ليسَ فيهِ ذكرُ أصنافِ الأولياءِ ولا مراتبهم، والبيانُ لا يجوزُ تأخيرُه عنْ وقتِ الحاجةِ اهـ.

والجوابُ: أن الأظهرَ أن الآيةَ خطابٌ لكافةِ المؤمنينَ المكلَّفينَ الذينَ خُوطِبُوا بِصَدْرِهَا، أعني قولَهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (٢)، والمرادُ: لا يُنْكِحُهنَّ مَنْ إليهِ الإنكاحُ وهمُ الأولياءُ، أو خطابٌ للأولياءِ ومنْهمُ الأمراءُ عندَ فَقْدِهم أو عَضلِهم لما عرفتَ من قولِه (٣): "فإنِ اشتجَرُوا فالسلطانُ وليُّ مَنْ لا وليَّ لها"، فبطلَ قولُه: إنهُ مترددٌ بينَ خطابِ الأولياءِ وأُولي الأمر. وقولُه: قُلْنا هذَا الخطابُ إنَّما هوَ خطابٌ بالمنعِ بالشرعِ، قلنا: نعمْ.

قولُه: والمنعُ بالشرعِ يستوي فيهِ الأولياءُ وغيرُهم.

قلنا: هذَا كلامٌ في غايةِ السُّقوطِ، فإنَّ المنعَ بالشرعِ هُنَا للأولياءِ الذينَ يتولُّوْنَ العقدَ إما جَوَازًا كما تقولُه الحنفيةُ (٤)، أو شَرْطًا كما يقولُه غيرُهم (٥). فالأجنبيُّ بمعزلٍ عن المنعِ لأنهُ لا ولايةَ لهُ على بناتِ زيدٍ مَثَلًا، فما معنَى نَهْيِه عنْ شيءٍ ليسَ منْ تكليِفِهِ؟ فهذَا تكليفٌ يخصُّ الأولياءَ، فهوَ كمنعِ الغَنِيِّ عن


(١) "بداية المجتهد" (٣/ ٢٣).
(٢) سورة البقرة: الآية ٢٢١.
(٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَآله وَسَلَّمَ، وقد تقدَّم برقم (١٢/ ٩٢٣) من كتابنا هذا.
(٤) انظر: "المبسوط" (٥/ ١٠).
(٥) وهم الجمهور كما تقدم، وانظر: "فتح الباري" (٩/ ١٨٧).