للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآيةِ الكريمةِ المساواةَ بينَ بني آدمَ ثمَّ أَرْدَفَهُ (١) بإنكاحِ أبي حذيفةَ منْ سالمِ بابنةِ أخيهِ هند بنتِ الوليدِ بن عتبةَ بن ربيعةَ، وسالمٌ مولى لامرأةٍ منَ الأنصارِ، وقد تقدَّم (٢) حديثُ: "فعليكَ بذاتِ الدينِ". وقدْ خطبَ (٣) النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ فتحِ مكةَ فقالَ: "الحمدُ للهِ الذي أَذْهَبَ عنكمْ عُبِّيَّة (٤) - بضم المهملةِ وكسرِها - الجاهليةِ وَتَكَبُّرِها. يا أيها الناسُ إنَّما الناسُ رجلانِ: مؤمنٌ تقيٌّ كريمٌ على اللَّهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّهِ"، ثمَّ قرأ الآيةَ وقالَ (٥): "منْ سرَّهُ أنْ يكونَ أكرمَ الناسِ فليتقِ اللَّهِ"، فجعلَ - صلى الله عليه وسلم - الالتفاتَ إلى الأنسابِ منْ عُبِّيَّةِ الجاهليةِ وتكبُّرِها، فكيفَ ويعتبرها المؤمنُ ويبني عليها حُكْمًا شرعيًا، وفي الحديثِ: "أربعٌ منْ أمورِ الجاهليةِ لا يتركُها الناسُ"، ثم ذكرَ منْها الفخرَ بالأنسابِ. أخرجَهُ ابنُ جريرٍ (٦) منْ حديثِ ابن عباسٍ.

وفي الأحاديثِ شيءٌ كثيرٌ في ذمِّ الالتفاتِ إلى الترفُّعِ بها. وقدْ أمرَ (٧) - صلى الله عليه وسلم - بني بياضةَ بإنكاحِ أبي هندٍ الحجَّامَ وقالَ: "إنَّما هوَ امرؤٌ منَ المسلمينَ"، فنبَّهَ على الوجْهِ المقتضي لمساواتِهم وهوَ الاتفاقُ في وصفِ الإسلام.

وللناس في هذه المسألة عجائبُ لا تدورُ على دليلٍ غير الكبرياءِ والترفُّع، ولا إله إلا اللَّهُ كم حُرِمتِ المؤمناتُ النكاحَ لكبرياء الأولياء واستعظامهم لأنفسهم، اللهمَّ نبرأُ إليكَ منْ شرط وَلَّدَه الهَوَى وربَّاهُ الكبرياءُ. ولقدْ مُنِعَتِ الفاطمياتُ في


(١) يعني البخاري (٥٠٨٨).
(٢) برقم (٤/ ٩١٥)، من كتابنا هذا وهو متفق عليه.
(٣) أخرجه أبو داود (٥١١٦)، والترمذي (٣٩٥٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو حديث حسن، حسَّنه المحدث الألباني في "صحيح أبي داود" (٣/ ٩٦٤ رقم ٤٢٦٩).
(٤) قال في "النهاية" (٣/ ١٦٩): وهي فُعُّولة أو فعِّيلة، فإن كانت فعولة فهي من التعبية لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية خلاف من يسترسل على سجيته، وإن كانت فعِّيلة فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه، وقيل: إن اللام قلبت ياء. اهـ، وقيل غير ذلك.
(٥) لم أجده.
(٦) لم أجده في تفسيره لا من حديث ابن عباس ولا غيره، وقد أخرج مسلم في "صحيحه" (٢٩/ ٩٣٤)، وأحمد (٥/ ٣٤٢، ٣٤٣، ٣٤٤)، من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعًا: إلا أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وهو حديث صحيح.
(٧) يأتي قريبًا برقم (٣/ ٩٤٣).