للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"إنَّ اللَّهَ ليدفعُ بالمسلمِ الصالحِ عنْ مائةِ بيتٍ منْ جيرانِهِ"، وهذا فيه زيادةٌ على الأولِ. والأذيةُ للمسلم مطلقًا محرمةٌ، قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} (١)، ولكنهُ في حقِّ الجارِ أشدُّ تحريمًا فلا يغتفرُ منهُ شيءٌ، وهوَ كلُّ ما يُعَدُّ في العُرْفِ أذىً حتَّى وردَ في الحديثِ: "إنهُ لا يؤذيهِ بِقَتَارِ قِدْرِه إلَّا أنْ يغرفَ لهُ منْ مرقتهِ، ولا يحجزُ عنهُ الريحَ إلا بإذنِه، وإنِ اشترى فاكهةً أَهْدَى [له] (٢) إليه" (٣)، وحقوقُ الجارِ مستوفاةٌ في الإحياءِ للغزاليِّ (٤). وقولُه: "واستوصُوا" تقدَّمَ بيانُ معناهُ وعلَّلَه بقولهِ: فإنهنَّ خُلْقِنَ منْ ضلعٍ، يريدُ خلِقنَ خلقًا فيهِ اعوجاجٌ لأنهنَّ خلقنَ منْ أصلٍ مُعْوَجٍّ، والمرادُ أن حوَّاءَ أصلُها خلقتْ منْ ضلعِ آدمَ كما قالَ تعالَى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (٥) بعدَ قولهِ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (٥). وأخرجَ ابنُ إسحاقَ منْ حديثِ ابن عباسٍ: "إنَّ حوَّاءَ خُلِقَتْ من ضلعِ آدمَ الأقصرِ الأيسرِ وهوَ نائمٌ" (٦)، وقولهُ: "وإنَّ أعوجَ ما في الضلعِ" إخبارٌ بأنها خلقتْ منْ أعوجِ أجزاءِ الضلعِ مبالغةً في إثباتِ هذهِ الصفةِ [فيهنَّ] (٧). وضميرُ قولهِ تقيمهُ وكسرتَهُ للضلعِ، وهوَ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وكذا في لفظِ البخاريِّ تقيمها وكسرتَها ويحتملُ أنهُ للمرأةِ، وروايةُ مسلمٍ صريحةٌ في ذلكَ حيثُ قالَ: "وكسرُها طلاقُها". والحديثُ فيهِ الأمرُ بالوصيةِ بالنساءِ والاحتمالُ لهنَّ، والصبرُ على عِوَجِ أخلاقِهنَّ، وأنهُ لا سبيلَ إلى إصلاحِ أخلاقِهنَّ بلْ لا بدَّ منَ العوجِ فيها، وأنهُ مِنْ أصلِ الخلقةِ. وتقدَّمَ ضبطُ العِوَجِ هُنَا، وقالَ أهلُ اللغةِ (٨): العوجُ بالفتحِ في كلِّ منتصبٍ كالحائطِ والعودِ وشِبْهِهِمَا وبالكسر ما كانَ في بساطٍ أو [عيش] (٩) أو دِيْنٍ ويقالُ: فلانٌ في دينهِ عِوَجٌ بالكسرِ.


= وقد أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٧٩٠) في ترجمته، وقال: لا يرويه عن ابن سوقة غير حفص بن سليمان.
(١) سورة الأحزاب: الآية ٥٨.
(٢) زيادة من (أ).
(٣) وهو جزء من حديث أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد" (٨/ ١٦٥) من حديث معاوية بن حيدة. وقال الهيثمي: وفيه أَبو بكر الهذلي وهو ضعيف.
(٤) (٢/ ٢١٢ - ٢١٥).
(٥) سورة النساء: الآية ١.
(٦) كلام فيه نظر؟!
(٧) في (ب): "لهنَّ".
(٨) انظر: "القاموس المحيط" (ص ٢٥٥).
(٩) في (ب): "معايش".