للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالوا: وحملَ قولَه ولم يَرَهَا شيئًا على أنهُ لم يعدْها شيئًا صوابًا غيرَ خطأ بلْ يؤمرُ صاحبُه ألا يقيمَ عليهِ لأنهُ أمرهُ بالمراجعةِ، ولوْ كانَ طلَّقَهَا طَاهِرًا لم يؤمرْ بذلكَ فهوَ كما يُقَالُ للرجلِ إذا أخطأ في فعلِهِ أو أخطأَ في جوابه إنهُ لم يصنعْ شيئًا أي لم يصنعْ شيئًا صوابًا. وقدْ أطالَ ابنُ القيمِ في "الهدي" (١) الكلامَ على نصْرةِ عدمِ الوقوعِ لكنْ بعدَ ثبوتِ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - حَسَبَهَا تطليقة تطيحُ كلُّ عبارةٍ ويضيعُ كلُّ صنيعٍ. وقدْ كنَّا نفتي بعدمِ الوقوعِ وكتبْنا فيهِ رسالةً وتوقَّفْنَا مدةً ثمَّ رأينا وقوعَه.

تنبيهٌ: ثمَّ إنهُ قَوِيَ عندي ما كنتُ أفتي بهِ أولًا منْ عدمِ الوقوعِ لأدلةٍ قويةٍ سُقْتُها في رسالةٍ سمَّيْنَاها الدليلَ الشرعيَّ في عدمِ وقعِ الطلاقِ البِدْعيِّ. ومنَ الأدلةِ أنهُ منسوبٌ، ومسمَّى النسبة إلى البدعةِ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، والضلالةُ لا تدخلُ في نفوذِ حكمٍ شرعيٍّ ولا يقعُ بها بلْ هيَ باطلةٌ؛ ولأنَّ الرواةَ لحديثِ ابن عمرَ اتفقُوا على أن المسندَ المرفوعَ في هذا الحديثِ غيرُ مذكورٍ فيهِ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حسبَ تلكَ التطليقةَ على ابن عمرَ ولا قالَ لهُ قدْ وقعتْ، ولا رواهُ ابنُ عمرَ مرفوعًا. بلْ في صحيحِ مسلمٍ (٢) ما دلَّ على أن وقوعَها إنَّما هوَ رأيٌ لابنِ عمرَ وأنهُ سُئِلَ عنْ ذلكَ فقالَ: "وما لي لا أعتدُّ بها وإنْ كنتُ قدْ عجزتُ واستحمقتُ"، وهذا يدلُّ علَى أنهُ لا يعلمُ في ذلكَ نصًا نبويًا لأنهُ لو كانَ عندَه لم يتركْ روايتَه ويتعلقْ بهذِه العلةِ العليلةِ فإنَّ العجزَ والحَمَقَ لا مدخلَ لهما في صحةِ الطلاقِ، ولوْ كانَ عندَه نصٌّ نبويٌّ لقالَ وما لي لا أعتدُّ بها وقدْ أمرني رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ أعتدَّ بها.

وقدْ صرَّحَ الإمامُ الكبيرُ محمدُ بنُ إبراهيمَ الوزيرِ بأنهُ قدِ اتفقَ الرواة على عدمِ رفْعِ الوقوعِ في الروايةِ إليهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقد ساقَ السيدُ محمدُ - رحمهُ الله - سِتَّ عشْرةَ حُجَّةً على عَدَمِ وقوعِ الطلاقِ البِدْعِيِّ ولخَّصْنَاها في رِسَالَتِنَا المذكورةِ، وبعدَ هذا تعرفُ رجوعَنا عما هُنا فلْيُلْحقْ هذا في نُسَخِ سبلِ السلامِ.

وأمَّا الاستدلالُ على الوقوعِ بقولِه: فلْيراجِعْها، ولا رجعةَ إلَّا بعدَ طلاقٍ، فهوَ غيرُ ناهضٍ لأنَّ الرجعةَ المقيدةَ بِبُعْدِ الطلاقِ عُرْفٌ شرعيٌّ متأخرٌ إذْ هيَ لغةٌ أعمُّ منْ ذلكَ. ودلَّ الحديثُ على تحريمِ الطلاقِ في الحيضِ وبأنَّ الرجعةَ يستقلُّ بها الزوجُ منْ دونِ رضا المرأةِ والوليِّ لأنهُ جُعِلَ ذلكَ إليهِ، ولقولِه تعالَى:


(١) (٥/ ٢٢١ - ٢٣٨).
(٢) (٢/ ١٠٩٧ رقم ١١/ ١٤٧١).