للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأولُ: أنهُ كانَ الحكمُ كذلكَ ثمَّ نُسِخَ في عصرِه - صلى الله عليه وسلم -. فقدْ أخرجَ أبو داودَ (١) منْ طريقِ يزيدَ النَّحْوِيِّ عنْ عكرمةَ عن ابن عباسٍ قالَ: "كانَ الرجلُ إذا طلَّقَ امرأتَه فهوَ أحقُّ بِرَجْعَتِها وإنْ طلَّقها ثلاثًا، فَنُسِخَ ذلكَ" اهـ. إلَّا أنهُ لم يشتهرِ النسخُ فبقي الحكمُ المنسوخُ معمولًا بهِ إلى أنْ أنكرَهُ عمرُ.

قلت: إنْ ثبتتْ روايةُ النسخِ فذاكَ، وإلا فإنهُ يُضَعِّفُ هذَا قولُ عمرَ إن الناسَ قدِ استعجلُوا في أمرٍ كانتْ لهمْ فيهِ أناةٌ إلخ؛ فإنهُ واضحٌ في أنهُ رَأْيٌ مَحْضٌ لا سُنَّةَ فيهِ، وما في بعضِ ألفاظِه عندَ مسلمٍ (٢) أنهُ قالَ ابنُ عباسٍ لأبي الصهباءِ: "لما تتابعَ الناسُ في الطلاقِ في عهدِ عمرَ فأجازَهُ عليهمْ".

ثانيها: أن حديثَ ابن عباسٍ هذا مضطربٌ. قالَ القرطبي: في شرحِ مسلمٍ وقعَ فيهِ معَ الاختلافِ على ابن عباسٍ الاضطرابُ في لفظهِ، فظاهرُ سياقِهِ أن هذَا الحكمَ منقولٌ عنْ جميعِ أهلِ ذلكَ العصرِ والعادةُ تقتضي أنْ يظهرَ ذلكَ وينتشرَ ولا ينفردَ بهِ ابنُ عباسٍ، فهذا يقتضي التوقفَ عن العملِ بظاهرهِ إذا لم يقتضِ القطعُ ببطلانِه اهـ.

قلتُ: وهذا مجردُ استبعادٍ فإنهُ كمْ منْ سُنَّةٍ وحادثةٍ انفردَ بها راوٍ ولا يضرُّ سِيَّما مثلُ ابن عباسٍ بحرِ الأمةِ. ويؤيدُ ما قالَه ابنُ عباسٍ من أنَّها كانتِ الثلاثُ واحدةَ ما يأتي منْ حديثِ أبي ركانةَ (٣) وإنْ كانَ فيهِ كلامٌ وسيأتي.

الثالثُ: أن هذا الحديثَ وردَ في صورةٍ خاصةٍ هيَ قولُ المطلِّق: أنت طالق أنتِ طالقٌ أنتِ طالقٌ، وذلكَ أنهُ كانَ في عصرِ النبوةِ وما بعدَه وكانَ حالُ الناسِ [محمولًا] (٤) على السلامةِ والصدقِ فيقبلُ قولُ منِ ادَّعَى أن اللفظَ الثاني تأكيدٌ للأولِ لا تأسيسُ طلاقِ آخرَ [و] (٥) يصدَّقُ في دعواهُ. فلمَّا رَأَى عمرُ تَغَيُّرَ أحوالِ الناسِ وغلبة الدعاوَى الباطلةِ رأى منَ المصلحةِ أن يُجْرَى المتكلِّمُ على ظاهرِ


(١) في "السنن" رقم (٢١٩٥) بإسناد حسن.
(٢) رقم (١٧/ ١٤٧٢).
(٣) سيأتي تخريجه برقم (٥/ ١٠١١) من كتابنا هذا.
(٤) في (أ): "محمول"، والصواب ما ذكرناه في (ب).
(٥) زيادة من (ب).