للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[كلامه] (١) ولا يصدَّقُ في دَعْوى ضميرِه، وهذا الجوابُ ارتضاهُ القرطبيُّ. قالَ النوويُّ (٢): هو أصحُّ الأجوبةِ.

قلتُ: ولا يخْفَى أنهُ تقريرٌ لكونِ نَهْي عمرَ رأيًا محضًا ومعَ ذلكَ فالناسُ مختلفونَ في كل عصرٍ فيهمُ الصادقُ والكاذبُ، وما يُعْرَفُ ما في ضميرِ الإنسانِ إلَّا منْ كلامِه فَيُقْبَلُ قولُه وإنْ كانَ مُبْطَلًا في نفسِ الأمرِ فَيُحْكَمُ بالظاهرِ واللَّهُ يتولى السرائرَ، معَ أن ظاهرَ قولِ ابن عباسٍ طلاقُ الثلاثِ واحدةٌ أنهُ كانَ ذلكَ بأي عبارةٍ وقعتْ.

الرابعُ: أن معنَى قولِه: كانَ الطلاقُ الثلاثِ واحدةً، أن الطلاقَ الذي كانَ يوقعُ في عهدِه - صلى الله عليه وسلم - وعهدِ أبي بكرٍ إنَّما كانَ يوقعُ في الغالبِ واحدةً لا يوقعُ ثلاثًا، فمرادُه أن هذا الطلاقَ الذي يوقعون ثلاثًا كانَ يوقعُ في ذلكَ العهدِ واحدةً [ويكون] (٣) قولُه فلو أمضيناهُ عليهمْ بمعنَى لو أجْريناهُ على حكمِ ما شُرعَ منْ وقوعِ الثلاثِ. وهذَا الجوابُ يتنزلُ على قولِه: استعجلُوا في أمرٍ كان لهم فيهِ أناةٌ، تنزلًا قريبًا منْ غيرِ تكلُّفٍ، ويكونُ معناهُ الإخبارُ عن اختلافِ عاداتِ الناسِ في إيقاعِ الطلاقِ لا في وقوعِه فالحكمُ متقررٌ. وقدْ رجَّحَ هذا التأويلَ ابنُ العربيِّ ونسَبَهُ إلى أبي زرعةَ. وكذا البيهقيُّ (٤) أخرجَهُ عنهُ قال: معناهُ أن ما تطلقونَ أنتُم ثلاثًا كانُوا يطلقونَ واحدةً.

قلتُ: وهذا يتمُّ إنِ اتفقَ على أنهُ لم يقعْ في عصرِ النبوةِ إرسالُ ثلاثِ تطليقاتٍ دُفْعَةً واحدةً. وحديثُ أبي ركانَةَ وغيرُه يدفعُه وينْبُو عنهُ قولُ عمرَ: فلوْ أمضيناهُ، فإنهُ ظاهرٌ في أنهُ لم يكنْ مضَى في ذلكَ العصرِ حتَّى رَأَى إمضاءَه، وهوَ دليلُ وقوعِه في عصرِ النبوةِ لكنَّه لمْ يمضِ فليسَ فيهِ أنهُ كانَ وقوعُ الثلاثِ دفعةً نادِرًا في ذلكَ العصرِ.

الخامسُ: أن قولَ ابن عباسٍ كانَ طلاقُ الثلاثِ ليسَ لهُ حكمُ الرفعِ فهوَ موقوفٌ عليهِ، وهذَا الجوابُ ضعيفٌ لما تقرَّرَ في أصولِ الحديثِ وأصولِ الفقهِ أنْ "كنَّا نفعلُ"، و"كانُوا يفعلونَ" لهُ حكمُ الرفعِ.


(١) في (ب): "قوله".
(٢) في شرحه لصحيح مسلم (١٠/ ٧١).
(٣) في (ب): "فيكون".
(٤) في "السنن الكبرى" (٧/ ٣٣٨).