للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بلفظِ: "إذا حرَّمَ الرجلُ امرأتَه فإنَّما هيَ يمينٌ يكفِّرها"، فدل على أنهُ المرادُ بقولِه ليسَ بشيءٍ أنهُ ليسَ بطلاقٍ، ويحتملُ أنهُ أرادَ لا يلزمُ فيهِ شيءٌ، وتكونُ روايةُ أنهُ يمين رواية أخْرى فيكونُ لهُ قولانِ في المسألةِ. والمسألةُ اختلفَ فيها السلفُ منَ الصحابةِ والتابعينَ والخلفُ منَ الأئمةِ المجتهدينَ حتَّى بلغتِ الأقوالُ إلى ثلاثةَ عشرَ قولًا أصولًا وتفرَّعتْ إلى عشرينَ مذْهبًا (١).

الأولُ: أنهُ لغوٌ لا حكمَ لهُ في شيءٍ منَ الأشياءِ وهوَ قولُ جماعةٍ منَ السلفِ، وهو قولُ الظاهرية والحجةُ على ذلكَ أن التحريمَ والتحليلَ إلى اللهِ تعالَى كما قالَ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} (٢)، وقدْ قالَ اللَّهُ تعالَى لنبيهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٣)، وقالَ تعالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (٤)، قالُوا: ولأنهُ لا فرقَ بينَ تحليلِ الحرامِ وتحريمِ الحلالِ، فكما كانَ الأولُ باطلًا فليكنِ الثاني باطلًا. ثمَّ قولُه: "هيَ حرامٌ" إنْ أرادَ [به] (٥) الإنشاءَ فإنشاءُ التحريمِ ليسَ إليهِ، وإنْ أرادَ بهِ الإخبارَ فهوَ كذبٌ، قالُوا: ونظرُنَا إلى ما سِوَى هذا القولِ - يعني منَ الأقوالِ التي في المسألةِ - فوجدْناها أقوالًا مضطربةً لا برهانَ عليها منَ اللهِ فيتعينُ القولُ بهذَا. وهذَا القولُ يدلُّ عليهِ حديثُ ابن عباسٍ (٦) وتلاوتُه لقولِه تعالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٧) فإنهُ دالُّ على أنهُ لا يحرَّمُ بالتحريمِ ما حرَّمهُ على نفسِه؛ فإنَّ اللَّهَ تعالَى أنكرَ على رسولِه تحريمَ ما أحلَّ اللَّهُ لهُ وظاهرُه أنَّها لا تلزمُ الكفارةُ، وأما قولهُ تعالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٨) فإنَّها كفارةُ حَلِفِهِ - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجَهُ الطبريُّ (٩) بسندٍ صحيح عنْ زيدِ بن أسلمَ التابعيِّ المشهورِ قالَ: أصابَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أمَّ إبراهيمَ ولدِه في بيتِ بعضِ نسائِه فقالتْ: يا رسولَ اللَّهِ في بيتِي وعلى فراشي فجعلَها عليهِ حرامًا، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ كيفَ تحرِّمُ


(١) انظر: "زاد المعاد" (٥/ ٣٠٢ - ٣٠٦).
(٢) سورة النحل: الآية ١١٦.
(٣) سورة التحريم: الآية ١.
(٤) سورة المائدة: الآية ٨٧.
(٥) زيادة من (ب).
(٦) تقدم وهو حديث الباب رقم (١٠/ ١٠١٦).
(٧) سورة الأحزاب: الآية ٢١.
(٨) سورة التحريم: الآية ٢.
(٩) في "جامع البيان" (١٤/ ج ٢٨/ ١٥٥ - ١٥٩).