للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورواهُ البخاريُّ عن اثنينِ وعشرينَ صحابيًا. ودليلُ هذا القولِ حديثُ البابِ وإنْ كانَ فيهِ مقالٌ منْ قِبَلِ الإسنادِ فهوَ متأيدٌ بكثرةِ الطُّرقِ، وما أحسنَ ما قالَ ابنُ عباسٍ قالَ تعالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} (١)، ولم يقلْ إذا طلقتموهن ثمَّ نكحتموهنَّ، وبأنهُ إذا قالَ المطلِّقُ: إنْ تزوجتُ فلانةَ فهي طالقٌ مطلِّقٌ لأجنبيةٍ فإنَّها حينَ أنشأَ الطلاقَ أجنبيةٌ والمتجددُ هوَ نكاحُها، فهوَ كما لو قالَ لأجنبيةٍ: إنْ دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ فدخلتْ وهيَ زوجتُه لم تطلَّقْ إجماعًا. وذهبَ أبو حنيفةَ وهوَ أحدُ قَوْلي المؤيَّدِ باللهِ إلى أنهُ يصحُّ التعليقُ مطلقًا، وذهبَ مالكٌ وآخرونَ إلى التفصيلِ، فقالُوا: إنْ خصَّ بأنْ يقولَ: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها منْ بني فلانٍ أوْ منْ بلدِ كذا فهيَ طالقٌ أوَ قالَ في وقتِ كَذَا وقعَ الطلاقُ، وإنْ عمَّ فقال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهيَ طالقٌ لم يقعْ شيءٌ، وقالَ في "نهاية المجتهد" (٢): سببُ الخلافِ هلْ منْ شرطِ وقوعِ الطلاقِ وجودُ الملكِ متقدِّمًا على الطلاقِ بالزمانِ أوْ ليسَ منْ شَرْطِهِ؟ فَمَنْ قالَ هوَ منْ شرطِهِ قالَ لا يتعلَّقُ الطلاقُ بالأجنبيةِ ومَنْ قالَ: ليسَ منْ شَرْطِهِ إلا وجودُ الملكِ فقطْ قالَ: يقعُ (٣).

قلتُ: دَعْوى الشرطيةِ تحتاجُ إلى دليل ومَنْ لم يدعْها فالأصلُ معَه ثمَّ قالَ: وأما الفرقُ بينَ التخصيصِ والتعميمِ فاستحسانٌ مبنيٌّ على المصلحةِ، وذلكَ أنه إذا وقعَ فيه التعميمُ فلو قلْنا بوقوعِه امتنعَ منهُ التزويجُ فلمْ يجدْ سبيلًا إلى النكاحِ الحلالِ فكانَ منْ بابِ النذرِ بالمعصيةِ، وأما إذا خصَّصَ فلا يمتنعُ منهُ ذلكَ اهـ.

قلتُ: سبقَ الجوابُ عنْ هذا بعدم الدليلِ على الشرطيةِ، هذَا والخلافُ في العتقِ مثلُ الخلافِ في الطلاقِ فيصحُّ عندَ أبي حنيفةَ وأصحابِه. وعندَ أحمدَ في أصحِّ قوليْهِ وعليهِ أصحابُه ومنْهمُ ابنُ القيمِ فإنهُ فرَّقَ بينَ الطلاقِ والعتاقِ فأبطلَه في الأولِ وقالَ بهِ في الثاني مستدلًا على الثاني بأنَّ العتقَ لهُ قوةٌ وسرايةٌ؛ فإنهُ يسري إلى ملكِ الغيرِ؛ ولأنهُ يصحُّ أنْ يجعلَ الملكَ سببًا للعتقِ كما لو اشترَى عبدًا ليعتقَه عنْ كفارةٍ أو نذرٍ أو اشتراهُ بشرطِ العتقِ؛ ولأنَّ العتقَ منْ باب القربِ والطاعاتِ وهوَ يصحُّ النذرُ بها وإنْ لم يكنْ المنذور بهِ مملوكًا، كقولَكَ: لئنْ


(١) سورة الأحزاب: الآية ٤٩.
(٢) (٣/ ١٥٩): بتحقيقنا.
(٣) انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" (٧/ ٣٧٥ - ٣٧٨).