للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفيهِ خلافٌ إذا عقلَ وميَّزَ، والحديثُ جعلَ غايةَ رفعِ القلمِ عنهُ إلى أنْ يكبرَ، فقيلَ إلى أنْ يطيقَ الصيامَ ويحصي الصلاةَ وهذَا لأحمدَ، وقيلَ: إذا بلغَ اثنتي عشْرةَ سنةً، وقيلَ: إذا ناهزَ الاحتلامَ، وقيلَ: إذا بلغَ. والبلوغُ يكون بالاحتلامِ في حقِّ الذَّكَرِ معَ إنزالِ المنيِّ إجماعًا، وفي حقِّ الأنثَى عندَ الهادويةِ وبلوغُ خمسَ عشْرَةَ سنة، وإنباتُ الشعرِ الأسودِ المتجعدِ في العانةِ بعدَ تسعِ سنينَ عندَ الهادويةِ وكذلكَ الإمناءُ في حالِ اليقظةِ إذا كانَ لشهوةٍ وفي الكلِّ خلافٌ معروفٌ. وأما المجنونُ فالمرادُ بهِ زائلُ العقلِ فيدخلُ فيهِ السكرانُ والطفلُ كما يدخلُ المجنونُ وقدِ اختُلِفَ في طلاقِ السكرانِ على قوليْنِ:

الأولُ: أنهُ لا يقعُ وإليهِ ذهبَ عثمانُ وزيدٌ وجابرٌ وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وجماعةٌ منَ السلفِ وهوَ مذهبُ أحمدَ وأهلُ الظاهرِ لهذا الحديثِ ولقولِه تعالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (١)، فجعلَ قولَ السكرانِ غيرَ مُعْتَبَرَ؛ لأنهُ لا يعلمُ ما يقولُ وبأنهُ غيرُ مكلَّفٍ لانعقادِ الإجماعِ، على أن منْ شرطِ التكليفِ العقلُ ومَنْ لا يعقلُ ما يقولُ فليسَ بمكلَّفٍ، أوْ بأنهُ كانَ يلزمُ أنْ يقعَ طلاقُه إذا كانَ مُكْرَهًا علَى شُرْبِها أوْ غيرَ عالِمٍ بأنَّها خمرٌ ولا يقولُه المخالفُ.

والثاني: وقوعُ طلاقِ السكرانِ، ويُرْوَى عنْ عليٍّ وابنِ عباسٍ وجماعةٍ منَ الصحابةِ وعنِ الهادي وأبي حنيفةَ والشافعيِّ ومالكٍ واحتجَّ لهمْ بقولِه تعالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (٢) فإنهُ نَهْيٌ لهمْ عنْ قُربَانِها حالَ السُّكْرِ والنَّهْيُ يقتضي أنَّهمْ مكلَّفونَ حالَ سُكْرِهِمْ، والمكلَّف تصح منهُ الإنشاءاتُ وبأنَّ إيقاعَ الطلاقِ عقوبةٌ لهُ وبأنَّ ترتيبَ الطلاقِ على التطليقِ منْ بابِ رَبْطِ الأحكامِ بأسبابِها فلا يؤثرُ فيه السكرُ وبأنَّ الصحابةِ أقاموهُ مقامَ الصاحي في كلامهِ فإنَّهم قالُوا: إذا شربَ سَكِرَ، وإذا سَكِرَ هَذَى، فإذا هَذَى افْتَرى، وحدُّ المفتري ثمانونَ. وبأنهُ أخرجَ سعيدُ بنُ منصورٍ (٣) عنهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا قيلولةَ في الطلاقِ"، وأُجِيْبَ بأنَّ الآيةَ


(١) سورة النساء: الآية ٤٣.
(٢) سورة النساء: الآية ٤٣.
(٣) في "سننه" رقم (١١٣٠).
قلت: وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" (٣/ ٤٤١ - ٤٤٢) في ترجمة غازي بن جبلة الجيلاني، والزيلعي في "نصب الراية" (٣/ ٢٢٢)، وابن حزم في "المحلَّى" (١٠/ ٢٠٣)، =