للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (١) الآيةَ. وقدْ أجمعَ العلماءُ على أن الزوج يملكُ رجعةَ زوجتهِ في الطلاقِ الرجعيِّ ما دامتْ في العدَّةِ منْ غيرِ اعتبارِ رِضَاها ورِضَا وليِّها إذا كانَ الطلاقُ بعدَ المسيسِ وكانَ الحكمُ بصحةِ المرجعةِ مُجْمَعًا عليهِ لا إذَا كانَ مختلفًا فيهِ.

والحديثُ دلَّ على ما دلَّتْ عليهِ آيةُ سورةِ الطلاقِ وهيَ قولُه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٢) بعدَ ذكرهِ الطلاقَ. وظاهرُ الأمرِ وجوبُ الإشهادِ وبهِ قالَ الشافعيُّ في القديمِ وكأنهُ استقرَّ مذهبُه على عدمِ وجوبِه فإنهُ قالَ المرزعيُّ في "تيسير البيانِ": وقدِ اتفقَ الناسُ على أن الطلاقَ منْ غيرِ إشهادٍ جائزٌ، وأما الرجعةُ فيحتملُ أنَّها تكونُ في معنَى الطلاقِ لأنَّها قرينتُه فلا يجبُ فيها الإشهادُ؛ لأنَّها حقٌّ للزوجِ ولا يجبُ عليهِ الإشهادُ على قَبْضِهِ ويحتملُ أنْ يجبَ الإشهادُ وهوَ ظاهرُ الخطابِ، انتَهى. والحديثُ يُحْتَمَلُ أنهُ قالَه عمرانُ اجتهادًا إذْ للاجتهادِ فيهِ مَسْرَحٌ إلَّا أن قولَه: أرجع في غيرِ سنةٍ، قدْ يقالُ إنَّ السنةَ إذا أُطْلِقتْ في لسانِ الصحابيِّ يرادُ بها سنهُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيكونُ مرفُوعًا، إلَّا أنهُ لا يدلُّ على الإيجابِ لتردُّدِ كونِه منْ سنتهِ - صلى الله عليه وسلم - بينَ بين الإيجابِ والندبِ. والإشهادُ على المرجعةِ ظاهرٌ إذا كانت بالقول الصريح واتفقوا على الرجعة بالقولِ، واختلفُوا إذا كانتِ الرجعةُ بالفعلِ، فقالَ الشافعيُّ والإمامُ يَحْيَى: إنَّ الفعلَ محرَّمٌ فلا تحلُّ بهِ ولأنهُ تعالَى ذكر الإشهاد ولا إشهاد إلا على القول وأجيب بأنه لا إثم عليه لأنه تعالى قالَ: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} (٣) وهيَ زوجةٌ والإشهادُ غيرُ واجب كما سلفَ. وقالَ الجمهورُ: يصحُّ بالفعلِ. واختلفُوا هلْ منْ شرطِ الفعلِ النيةُ فقالَ مالكٌ: لا يصحُّ بالفعلِ إلا معَ النيةِ كأنهُ يقولُ لِعمومِ الأعمالِ بالنياتِ، وقالَ الجمهورُ: تصح لأنَّها زوجةٌ شَرْعًا داخلةٌ تحتَ قولِه تعالَى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} (٤)، ولا يشترطُ النيةُ في لمسِ الزوجةِ وتقبيلِها وغيرِهما إجماعًا.

واختُلِفَ هلْ يجبُ عليهِ إعلامُها بأنهُ قدْ راجَعَها لِئلَّا تزوَّج غيرَه؟ فذهبَ الجمهورُ منَ العلماءِ أنهُ لا يجبُ عليهِ، وقيل يجبُ. وتفرَّعَ منَ الخلافِ لو تزوجتْ قبلَ عِلْمِها بأنهُ راجَعَها، فقالَ الأولونَ: النكاحُ باطلٌ وهيَ لزوجِها الذي


(١) سورة البقرة: الآية ٢٢٨.
(٢) سورة الطلاق: الآية ٢.
(٣) سورة المؤمنون: الآية ٢٣. وسورة المعارج: الآية ٧.
(٤) سورة المؤمنون: الآية ٢٣. وسورة المعارج: الآية ٧.