للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ارتجعَها. واستدلُّوا بإجماعِ العلماءِ على أن المرجعةَ صحيحةٌ وإنْ لمْ تعلمْ بِها المرأةُ وبأنَّهم أجمعُوا أن الزوجَ الأولَ أحقُّ بِها قبلَ أنْ تزَوَّجَ، وعنْ مالكٍ أنَّها للثاني دخلَ بها أوْ لم يدخلْ. واستدلَّ بما رواهُ ابنُ وهب عنْ يونسَ عن ابن شهابٍ عن ابن المسيِّبِ أنهُ قالَ: "مضتِ السُّنةُ في الذي يطلقُ امرأتَه ثمَّ يراجِعُها ثم يكتُمُها رجْعَتَهَا فتحلُّ فتنكحُ زوجًا غيرَه أنهُ ليسَ لهُ منْ أمرِها شيءٌ ولكنَّها لِمنْ تزَوَّجَها" (١)، إلَّا أنهُ قيلَ: إنهُ لم يَرْوَ هذَا إلَّا عن ابن شهابٍ فقطْ وهوَ الزهريُّ فيكونُ منْ قولِه وليسَ بحجةٍ. ويشهدُ لكلامِ الجمهورِ حديثُ الترمذيِّ (٢) عنْ سمرةَ بن جندب أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أيُّما امرأةٍ تزوَّجها اثنانِ فهيَ للأولِ مِنْهما"، فإنهُ صادقٌ على هذهِ الصورةِ. واعلمْ أنهُ قالَ تعالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (٣) أي أحقُّ بردِّهنَّ في العدةِ بشرطِ أنْ يريدَ الزوجُ بردِّها الإصلاحَ وهوَ حسنُ العشرةِ والقيامُ بحقوقِ الزوجيةِ؛ فإنْ أرادَ بالمرجعةِ غيرَ ذلكَ كمنْ يراجعُ زوجَتَه ليطلِّقَها كما يفعلهُ العامةُ فإنهُ يطلِّق ثمَّ ينتقلُ منْ موضِعِه فيراجعُ ثمَّ يطلِّقُ إرادة لِبَيْنُونَةِ المرأةِ فهذِه المراجعةُ لم يُرِدْ بها إصْلاحًا ولا إقامةَ حدودِ اللهِ فهيَ باطلةٌ، إذ الآيةُ ظاهرةٌ في أنهُ لا تباحُ لهُ المراجعةُ ويكونُ أحقَّ بردِّ امرأتِه إلا بشرطِ إرادةِ الإصلاح، وأيُّ إرادةِ إصلاحٍ في مراجعتِها ليطلِّقَها. ومَنْ قالَ إنَّ قولَه: {إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (٤) ليسَ بشرطٍ للرجعةِ فإنهُ قولٌ مخالفٌ لظاهرِ الآيةِ بلا دليلٍ.

٢/ ١٠٢٣ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ لَمّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "مُرهُ فَلْيُرَاجِعْهَا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٥). [صحيح]

(وعنِ ابن عمرَ - رضي الله عنهما - أنهُ لما طلقَّ امرأتَه قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعمرَ: مُرة فليراجِعْها. متفقٌ عليهِ)، تقدَّمَ الكلامُ عليهِ بما يكْفي منْ غيرِ زيادةٍ.

* * *


(١) انظر: "معجم فقه السلف" للكتاني (٧/ ٢٢٥).
(٢) في "السنن" رقم (١١١٠) وقال: هذا حديث حسن.
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (٢٠٨٨)، والنسائي (٧/ ٣١٤).
وهو حديث ضعيف. انظر: "الإرواء" رقم (١٨٥٣).
(٣) سورة البقرة: الآية ٢٢٨.
(٤) سورة البقرة: الآية ٢٢٨.
(٥) تقدم تخريجه رقم (٢/ ١٠٠٨) من كتابنا هذا.