للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأُوْلَى: أنهُ دلَّ على ما دلَّتْ عليهِ الآيةُ منْ ترتيبِ خصالِ الكفَّارةِ، والترتيبُ إجماعٌ بينَ العلماءِ (١).

الثانيةُ: أنَّها أُطْلِقَتِ الرقبةُ في الآيةِ وفي الحديثِ أيضًا ولم تقيَّدْ بالإيمانِ كما قُيِّدتْ بهِ في آيةِ القتلِ، فاختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فذهبَ زيدُ بنُ عليٍّ وأبو حنيفةَ وغيرُهما إلى عدمِ التقييدِ وأنها تجزئُ رقبةٌ ذميةٌ وقالوا: لا تَقَيُّدَ بما في آيةِ القتلِ لاختلافِ السببِ. وقدْ أشارَ الزمخشريُّ (٢) إلى عدمِ اعتبارِ القياسِ لعدمِ الاشتراكِ في العلةِ؛ فإنَّ المناسبةَ في آية القتل أنهُ لما أخرجَ رقبةً مؤمنةً منْ صفةِ الحياةِ إلى صفة الموتِ كانت كفارتُه إدخالَ رقبةٍ مؤمنةٍ في حياةِ الحريةِ وإخراجَه عنْ موتِ الرَّقِّيَّةِ؛ فإنَّ الرقَّ يقتضي سلبَ التصرفِ عن المملوكِ فأشْبَهَ الموتَ الذي يقتضي سَلْبَ التصرفِ عن الميتِ، فكانَ في إعتاقهِ إثباتُ التصرفِ فأشْبَهَ الإحياءَ الذي يقتضي إثباتَ التصرفِ للحيِّ، وذهبت الهادويةُ ومالكٌ والشافعيُّ إلى أنهُ لا يجزئُ إعتاقُ رقبةٍ كافرةٍ، [قالوا] (٣): تقيَّدُ آيةُ الظِّهارِ كما قُيّدَتْ آيةُ القتلِ وإنْ اختلَفَ السببُ، قالُوا: وقدْ أيدتْ ذلكَ السنةُ، فإنهُ لما جاءَهُ - صلى الله عليه وسلم - السائلُ يستفتيهِ في عتقِ رقبةٍ كانتْ عليهِ سألَ - صلى الله عليه وسلم - الجاريةَ: "أينَ اللَّهُ"؟ فقالتْ: في السماءِ، فقالَ: "منْ أَنَا"؟ فقالتْ: أنتَ رسولُ اللَّهِ، قالَ: "فأعتقْها فإنَّها مؤمنة"، أخرجَهُ البخاريُّ (٤) وغيرُه.

قالُوا: فسؤالُه - صلى الله عليه وسلم - لها عن الإيمانِ وعدمُ سؤالِه عنْ صفةِ الكفَّارةِ وسببها دالٌّ على اعتبارِ الإيمانِ في كلِّ رقبةٍ تُعْتَقُ عنْ سببٍ، لأنهُ قدْ تقرَّرَ أن تَرْكَ الاستفصَالِ معَ قيام الاحتمالِ ينزلُ منزلةَ العمومِ في المنالِ كما قدْ تكرَّرَ.


(١) انظر: "المغني" (١١/ ٨٥ - ٨٦)، "البحر الزخار" (٣/ ٢٣٤).
(٢) في "الكشاف" (١/ ٢٨٩).
(٣) في (أ): "فقالوا".
(٤) لم يخرجه البخاري. بل أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٣٣/ ٥٣٧) ضمن قصة طويلة، عن معاوية بن الحكم.
وأخرجه أبو داود رقم (٩٣٠)، والنسائي رقم (١٢١٨)، وأحمد (٥/ ٤٤٧، ٤٤٨ - ٤٤٩)، والطيالسي في "المسند" رقم (١١٠٥)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" رقم (٦٥٢)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (٤٨٩)، والبيهقي في "الأسماء والصفات) (ص ٤٢١ - ٤٢٢)، وابن خزيمة في "التوحيد" (١/ ٢٧٩ - ٢٨٠) وغيرهم.