للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلتُ: الشافعيُّ قائلٌ بهذهِ القاعدةِ، فإنْ قالَ بها مَنْ مَعَهُ منَ المخالفينَ كانَ الدليلُ على التقييدِ هوَ السُّنَّةُ لا الكتابَ؛ لأنَّهم قرَّرُوا في الأصولِ أنهُ لا يحملُ المطلقُ على المقيَّدِ إلَّا معَ اتحادِ السبب. لكنَّه وقعَ في حديثِ أبي هريرةَ عندَ أبي داودَ (١) ما لفظُه فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنَّ عليَّ رقبةً مؤمنةً، الحديثَ إلى آخرِه.

قالَ عِزُّ الدينِ الذهبيُّ: وهذا حديث صحيحٌ. وحينئذٍ فلا دليلَ في الحديثِ على ما ذُكِرَ فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يسألْها عن الإيمانِ إلَّا لأنَّ السائلَ قالَ عليهِ رقبةٌ مؤمنةٌ.

الثالثةُ: اختلفَ العلماءُ في الرقبةِ المعِيْبَةِ بأيِّ عَيْبٍ، فقالتِ الهادوبةُ وداودُ: تجزئُ المعيبةُ لتناولِ اسمِ الرقبةِ لها، وذهبَ آخرونَ إلى عدمِ إِجْزاءِ المعيبةِ قياسًا علَى الهدايا والضحايا بجامعِ التقربِ إلى اللَّهِ. وفصَّلَ الشافعي فقالَ: إنْ كانتْ كاملةَ المنفعةِ كالأعورِ أجزأتْ وإنْ نقصتْ منافعُه لم تجزْ إذا كانَ ذلكَ ينقصُها نُقْصَانًا ظاهرًا كالأقطع والأعْمى، إذِ العتقُ تمليكُ المنفعةِ وقد نقصتْ، وللحنفيةِ تفاصيلُ في العيبِ يطولُ تعدادُها ويعزُّ قيامُ الأدلةِ عليْها (٢).

الرابعةُ: أن قولَه - صلى الله عليه وسلم - فصمْ شهرينِ متتابعينِ دالٌ على وجوبِ التتابعِ (٣) وعليهِ دلتِ الآيةُ، وشرطتْ أنْ تكونَ قبلَ المسِ، فلو مسَّ فيهما استأنفَ وهوَ إجماعٌ إذا وَطِئَها نهارًا متعمّدًا. [وكذلك] (٤) ليلًا عندَ الهادويةِ وأبي حنيفةَ وآخرينَ ولو ناسيًا للآيةِ. وذهبَ الشافعي وأبو يوسفَ إلى أنهُ لا يضرُّ ويجوزُ؛ لأنَّ علةَ النَّهْي إفسادُ الصومِ ولا إفسادَ بوَطْءِ الليلِ، وأُجِيْبَ بأنَّ الآيةَ عامةٌ، واختلفُوا إذا وطئَ نهارًا ناسيًا فعندَ الشافعيِّ وأبي يوسفَ لا يضرُّ لأنهُ لم يفسدِ الصومَ. وقالتِ الهادويةُ وأبو حنيفةَ: بلْ يستأنفُ كما إذا وطِئَ عامدًا لعمومِ الآيةِ، قالُوا: وليستِ العلةُ إفسادَ الصومِ بلْ دلَّ عمومُ الدليلِ للأحوالِ كلِّها على [أنه] (٥) لا تتمُّ الكفارةُ إلا بوقوعِها قبلَ المسيسِ.

الخامسةُ: اختلفُوا أيضًا فيما إذا عرضَ لهُ في أثناءِ صيامِهِ عذرٌ مأيوسٌ ثمَّ


(١) في "السنن" رقم (٣٢٨٤) وهو حديث ضعيف.
(٢) انظر: "المغني" (١١/ ٨٢ - ٨٥) و"الفقه الإسلامي وأدلته" (٧/ ٦٠٨ - ٦١٠).
(٣) انظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" (٧/ ٦١٠ - ٦١٣). و"المغني" (١١/ ٨٥ - ٩٢).
(٤) في (ب): "كذا".
(٥) في (ب): "أنها".