زالَ هلْ يبني على صومِه أوْ يستأنفُ؟ فقالتِ الهادويةُ ومالكٌ وأحمدُ: إنهُ يبني على صومِه؛ لأنهُ فرَّقَهُ بغيرِ اختيارهِ، وقالَ أبو حنيفةَ وهوَ أحدُ قولي الشافعيِّ: بلْ يستأنفُ لاختيارهِ التفريقَ. وأُجيْبَ بأنَّ العذرَ صيَّرهُ كغيرِ المختارِ. وأما لو كانَ العذرُ مرجُوًّا فقيلَ يبني أيضًا، وقيلَ: لا يبني؛ لأنَّ رجاءَ زوالِ العذرِ صيَّرهُ كالمختارِ. وأجيبَ بأنهُ معَ العذرِ لا اختيارَ لهُ.
السادسةُ: أن ترتيبَ قولِه - صلى الله عليه وسلم - فصمْ على قولِ السائلِ:"ما أملكُ إلَّا رقبتي"، يقضي بما قضتْ بهِ الآيةُ منْ أنهُ لا ينتقلُ إلى الصومِ إلَّا لعدمِ وُجْدَان الرقبةِ، فإنْ وجدَ الرقبةَ إلَّا أنهُ يحتاجُها لخدمتِه للعجزِ فإنهُ لا يصحُّ منهُ الصومُ. فإن قيلَ: إنهُ قدْ صحَّ التيممُ لواجدِ الماءِ إذا كانَ يحتاجُ إليهِ فهلَّا قستمُ ما هنا عليهِ؟
قلتُ: لا يقاسُ، لأنَّ التيممَ قدْ شُرعَ معَ العذرِ فكانَ الاحتياجُ إلى الماءِ كالعذرِ.
فإنْ قيلَ: فهلْ يجعلُ الشبق إلى الجماع عذرًا يكونُ لهُ معهُ العدولُ إلى الإطعامِ ويُعَدُّ صاحبُ الشبق غيرَ مستطيعٍ للصومِ؟
قلتُ: هوَ ظاهرُ حديثِ سلمةَ، وقولُه في الاعتذارِ عن التكفيرِ بالصيامِ: وهلْ أصبتُ الذي أصبتُ إلَّا منَ الصيامِ وإقرارهُ - صلى الله عليه وسلم - على عذرِه. وقولُه:"أطْعم"، يدلُّ على أنهُ عذرٌ يُعْدَلُ معهُ إلى الإطعامِ.