للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى أن الواجبَ سِتُّونَ صالحًا منْ تمرٍ أو ذُرةٍ أوْ شعيرٍ، أو نصفه منْ برٍّ، وذهبَ الشافعيُّ إلى أن الواجبَ لكلِّ مسكينٍ مدٌّ والمدُّ ربعُ الصالح. واستدلَّ بقولِه في حديثِ البابِ أطعمْ عرقًا منْ تمرٍ ستينَ مسكينًا، والعَرَقُ (١) مكتلٌ يأخذُ خمسةَ عشرَ صَاعًا أو ستةَ عشر، ولإعانته - صلى الله عليه وسلم - للواطئ في رمضان بعرق خمسة عشر صاعًا منْ تمرٍ ولأنهُ أكثرُ الرواياتِ في حديثِ سلمةَ هذَا. واستدلَّ الأولونَ بأنهُ وردَ في روايةِ عبدِ الرزاقِ (٢): "اذهبْ إلى صاحبِ صدقةِ بني زُريقٍ فقلْ لهُ فليدفعْها إليكَ فأطعمْ عنكَ منْها وسقًا [من تمرٍ] (٣) ستينَ مسكينًا"، قالُوا: والوِسْقُ ستونَ صاعًا. وفي رواية لأبي داود (٤) والترمذي (٥): فأطعم وساقًا منْ تمرٍ ستينَ مِسْكِينًا، وجاءَ في تفسيرِ العَرَق أنهُ ستونَ صاعًا. وفي رواية لأبي داودَ أن العرقَ مكتلٌ يسعُ ثلاثينَ صاعًا، قالَ أبو داودَ: وهذا أصحُّ الحديثيْنِ. ولما اختُلِفَ في تفسيرِ العرقِ على ثلاثةِ أقوالٍ واضطربتِ الرواياتُ فيهِ جنحَ الشافعيُّ إلى الترجيحِ بالكثرةِ وأكثرُ الرواياتِ خمسةَ عشرَ صالحًا.

وقالَ الخطابيُّ في "معالمِ السنن" (٦): العرقُ السفيفةُ (٧) التي منَ الخوصِ فَيُتَّخَذُ منْها المكاتلُ، قالَ: وجاءَ تفسيرُه أنهُ ستونَ صاعًا، وفي روايةٍ لأبي داودَ (٨): يسعُ ثلاثينَ صَاعًا وفي روايةِ (٩) سلمةَ: يسعُ خمسةَ عشرَ صاعًا، فدلَ أن العَرَقَ يختلفُ في السَّعةِ والضِّيقِ، قالَ: فذهبَ الشافعي إلى روايةِ الخمسةَ عشرَ صاعًا.

قلتُ: يؤيدُ قولَه أن الأصلَ براءةُ الذمةِ عن الزائدِ وهوَ وجهُ الترجيحِ.

التاسعةِ: في الحديثِ دليلٌ على أن الكفارةَ لا تسقط جَمِيعُ أنواعِها بالعجزِ وفيهِ خلافٌ، فذهبَ الشافعيُّ وأحدُ الروايتينِ عنْ أحمدَ إلى عَدَمِ سقوطِها بالعجزِ


(١) العَرَق = ٤١.٢٦٥ كلغ.
(٢) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (٨/ ٧٨ - ٧٩) ولم أجدها في تفسيره المطبوع.
(٣) زيادة من (أ).
(٤) في "السنن" رقم (٢٢١٣).
(٥) في "السنن" رقم (٣٢٩٩) وهو حديث حسن.
(٦) (٢/ ٦٦٣ - هامش السنن).
(٧) وهي القطعة المنسوجة، والنسيج من الخوص.
(٨) في "السنن" رقم (٢٢١٥). وهو حديث حسن دون قوله: "والعَرَقُ مكتل يسع ثلاثين صاعًا"، قاله الألباني في "ضعيف أبي داود".
(٩) أخرجها أبو داود رقم (٢٢١٦)، وهو حديث صحيح.