للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألة السادسةُ: في قولِه: ثَوْبًا مصبُوغًا، دليلٌ على النَّهْي عنْ كلِّ مصبوغٍ بأيِّ لونٍ إلَّا ما استَثْنَاهُ في الحديثِ. وقالَ ابنُ عبدِ البرّ: أجمعَ الَعلماءُ على أنهُ لا يجوزُ للحادَّةِ لبسُ المعصفرةِ ولا المصبغة إلا ما صُبغَ بسوادٍ، فَرَخَّصَ فيهِ مالكٌ والشافعيُّ لكونِه لا يُتَّخَذُ للزينةِ بلْ هوَ من لباسِ الحزْنِ. واختُلِفَ في الحريرِ فذهبتِ الشافعيةُ في الأصحّ إلى المنعِ لها مُطْلَقًا مصْبوغًا أو غيرَ مصبوغٍ، قالُوا: لأنهُ أُبِيحَ للنساءِ للتزيُّنِ بهِ والحادَّةُ ممنوعَةٌ منَ التزيُّنِ. وقالَ ابنُ حزمٍ (١): إنَّها تجتنبُ الثيابَ المصبوغةَ فقطْ ويحلُّ لها أنْ تلبسَ ما شاءتْ منْ حريرٍ أبيضَ أوْ أصفرَ منْ لونِهِ الذي لم يُصْبَغْ ويباحُ لها أنْ تَلْبَسَ المنسوجَ بالذهبِ والحليِّ كلِّهِ منَ الذهب والفضةِ والجوهرِ والياقوتِ وهذا جمودٌ منهُ على لفظِ النصّ الواردِ في حديثٍ أَمّ عطيةَ. وأما حديثُ أمّ سلمةَ الذي فيهِ النَّهْيُ عنْ لُبْسِها الثيابَ المعصفرةَ ولا الممشقةَ ولا الْحُلِيَّ فقالَ: إنهُ لم يصحَّ لأنهُ منْ روايةٍ إبراهيمَ بنَ طهمانَ ورُدَّ عليه بأنهُ منَ الحفَّاظِ الأثْبَاتِ الثقاتِ وقدْ صحَّحَ حديثَهُ جماعةٌ منَ الأئمةِ كابْنِ المباركِ وأحمدَ وأبي حاتمٍ. وابنُ حَزْمٍ أدارَ التحريمَ على ما ثبتَ بالنصِّ عندَه وغيرُه منَ الأئمةِ أدارَهُ على التعليلِ [المناسبِ، أعني الزينة مطلقًا] (٢)، فبقيَ كلامُهم أن ثوبَ العصْبِ إذا كانَ فيه زينةٌ مُنِعَتْ منهُ ويخصِّصُونَ الحديثَ بالمعنى المناسبِ للمنْعِ وتقدَّم تفسيرُ ثوبِ العصْبِ عن "النهاية" وللعلماءِ في تفسيرِه أقوالٌ أُخَرُ.

المسألة السابعة: قولِه: ولا تكتحلْ دليلٌ على منْعِها منَ الاكتحالِ وهوَ قولُ الجمهورِ، وقالَ ابنُ حزمٍ (٣): "ولا تكتحلْ ولو ذهبتْ عينَاها لا ليلًا ولا نَهارًا"، ودليلُه حديثُ البابِ وحديثُ أمِّ سلمةَ المتَّفَقِ عليهِ (٤) أن امرأة توفِّيَ عنْها زوجُها فخافُوا على عَيْنِها فَأتَوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنُوهُ في الكُحْلِ فَمَا أذنَ فيهِ بلْ قالَ: لا، مرتينِ أوْ ثلاثًا، وذهبَ الجمهورُ مالكٌ وأحمدُ وأبو حنيفةَ وأصحابُه إلى أنهُ يجوزُ الاكتحالُ بالإثْمِدِ للتداوي مستدلِّينَ بحديثِ أمّ سلمةَ الذي أخرجَهُ أبو داودَ (٥) أنَّها


(١) في "المحلَّى" (١٠/ ٢٧٦ - ٢٧٧).
(٢) زيادة من (أ).
(٣) في "المحلَّى" (١٠/ ٢٧٦).
(٤) البخاري رقم (٥٣٣٦)، ومسلم رقم (٦١/ ١٤٨٨/ ١٤٨٦).
(٥) في "السنن" رقم (٢٢٩٩)، وهو حديث صحيح.