للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حاجةَ بالإطالةِ بِذِكْرِها معَ عدمِ نهوضِ دليلِ قولٍ منها عندَنا. وأما عِدَّتُها فاختُلِفَ أيضًا فيها فذهبتِ الظاهريةُ إلى أنَّها كَعِدَّةِ الحرة أيضًا قالَ أبو محمدٍ بن حَزْمٍ: لأنَّ اللَّهَ تعالى عَلَّمَنَا العددَ في الكتابِ فقالَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (١)، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (٢)، وقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٣).

وقدْ علمَ اللَّهُ تعالَى إذْ أباحَ لَنَا الإماءَ أنَّ عليهنَّ العُدَدَ المذكوراتِ وما فرَّقَ عزَّ وجلَّ بينَ حُرَّةٍ ولا أَمَةٍ في ذلكَ وما كانَ ربُّكَ نسيًّا.

وتُعُقِّبَ [في] (٤) استدلاله بالآياتِ بأنَّها كلُّها في الزوجاتِ الحرائرِ فإنَّ قولَه: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٥) في حقِّ الحرائرِ فإن افتداءَ الأمَةِ إلى سيّدها لا إليها، وكَذَا قولُه: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} (٦) فجعلَ ذلكَ إلى الزَّوْجيْنِ، والمرادُ بهِ العقدُ، وفي الأمَةِ ذلكَ يختصُّ بسَيّدِها، وكَذَا قولُه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (٧)، والأَمَةُ لا فعلَ لها في نفسِها.

قلتُ: لكنَّها إذا لم تدخلْ في هذِه الآياتِ ولا تثبتُ فيها سنَّةٌ صحيحةٌ ولا إجماعٌ ولا قياسٌ ناهضٌ هُنَا فماذَا يكونُ حكْمُها في عِدَّتِها؟ فالأقربُ أنها زوجةٌ شَرْعًا قطعًا فإنَّ الشارعَ قسمَ لنا منْ أحلَّ لنا وطؤُها إلى زوجةٍ أو ما ملكتِ اليمينُ في قولِه: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (٨) وهذهِ التي هي محلُّ النزاعِ ليستْ ملكَ يمينٍ قطعًا فَهِيَ زوجةٌ [فشملتها] (٩) الآياتُ، وخروجُها عنْ حكمِ الحرائرِ فيما ذكرَ منَ الافتداءِ، والعقدُ والفعلُ بالمعروفِ في نفسها، لا ينافي دخولُها في حُكْمِ العِدَّةِ، لأنَّ هذهِ أحكامٌ أُخَرُ تعلَّقَ الحقُّ فيها بالسيِّدِ كما تعلَّق في الحرَّةِ الصغيرةِ وبالوليِّ، فالراجحُ أنَّها كالحرَّةِ تطليقًا وعِدَّةٍ.


(١) سورة البقرة: الآية ٢٢٨.
(٢) سورة البقرة: الآية ٢٣٤.
(٣) سورة الطلاق: الآية ٤.
(٤) زيادة من (أ).
(٥) سورة البقرة: الآية ٢٢٩.
(٦) سورة البقرة: الآية ٢٣٠.
(٧) سورة البقرة: الآية ٢٣٤.
(٨) سورة المؤمنون: الآية ٦.
(٩) في (ب): "فتشملها".