للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستمتاعِ، بدليلِ أن الناشِزَ لا نفقةَ لها عندَ الجمهورِ فإذا لم تجبِ النفقةُ سقطَ الاستمتاعُ فوجبَ الخيارُ للزوجةِ، وبأنَّهم أوْجَبُوا على السيِّدِ بيعَ مملوكِهِ إذا عَجزَ عنْ إنفاقِهِ فإيجابُ فِرَاقِ الزوجةِ أَوْلَى؛ لأنَّ كَسْبَها ليسَ مستَحقًا للزوجِ كاستحقاقِ السيِّد لكسبِ عبدِهِ، وبأنهُ قدْ نقلَ ابنُ المنذرِ إجماعَ العلماءِ على الفسخِ بالعِنَّةِ. والضررُ الواقعُ منَ العجزِ عن النفقةِ أعظمُ منَ الضررِ الواقعِ بكونِ الزوجِ عَنّينًا، ولأنه تعالى قالَ: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} (١) وقالَ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٢)، وأيُّ إمساكٍ بمعروفٍ وأيُّ ضررٍ أشدُّ منْ تركِها بغيرِ نفقةٍ.

والثاني: ما ذهبَ إليهِ الهادويةُ والحنفيةُ وهوَ قولٌ للشافعيّ أنهُ لا فَسْخَ بالإعسارِ عن النفقةِ (٣) مستدلّينَ بقولِه تعالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)} (٤)، قالُوا: وإذا لم [يكلف] (٥) اللَّهُ [الزوج] (٦) النفقةَ في هذا الحالِ فقدْ تركَ ما لا يجبُ عليهِ ولم يأثمُ بتركِهِ فلا يكونُ سببًا للتفريقِ بينَه وبينَ سَكَنِهِ، وبأنهُ قد ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ (٧): "إنهُ - صلى الله عليه وسلم - لما طلبَ أزواجُه منهُ النفقةَ قامَ أبو بكرٍ وعمرُ إلى عائشةَ وحفصةَ فَوَجئا أعناقَهما وكلاهما يقولُ: تسألين رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ما ليسَ عندَه - الحديثَ". قالُوا: فهذَا أبو بكرٍ وعمرُ يضربانِ ابنتيْهِما بحضرتِهِ - صلى الله عليه وسلم - لما سأَلَتَاهُ النفقةَ التي لا يجدُها، فلوْ كانَ الفسخُ لَهُمَا وهما طالبتانِ للحقّ لم يقرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشيخيْنِ على ما فَعَلَا ولَبَيَّنَ أن لهما أنْ تطالبا معَ الإعسارِ حتَّى تثبتَ على تقديرِ ذلكَ المطالبةُ بالفسخ، ولأنهُ كانَ في الصحابةِ المعسرُ بلا ريبٍ ولم يخبرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدًا منْهم بأنَّ للزوجةِ الفسخَ ولا فسخَ أحد. قالُوا: ولأنَّها لو مرضتِ الزوجةُ وطالَ مرضُها حتَّى تعذَّرَ على الزوجِ جِمَاعُها لوجبتْ نفقتُها ولم يمكَّنْ منَ الفسخِ وكذلكَ الزوجُ. فدلَّ أن الإنفاقَ ليسَ في مقابلةِ الاستمتاعِ كما قلتُم، وأما حديثُ أبي هريرةَ فقدْ بيَّنَ أنه


(١) سورة الطلاق: الآية ٦.
(٢) سورة البقرة: الآية ٢٢٩.
(٣) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٢٧٦ - ٢٧٧).
(٤) سورة الطلاق: الآية ٧.
(٥) في (ب): "يكلفه".
(٦) زيادة من (أ).
(٧) رقم (٢٩/ ١٤٧٨) من حديث جابر بن عبد الله.