للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حُكْمًا شَرْعيًا وإنما تلَطَّفَ - صلى الله عليه وسلم - في بيانِ أنَّها ليستْ حكمًا شرعيًا بهذا التدريجِ النادي بعدم ثبوتِها شَرْعًا، وأقرَّهم - صلى الله عليه وسلم - بأنَّهم [لم يحلفوا على ما لم يعلموا ولا يشاهدوا] (١) ولا حضروهُ ولم يبيِّنْ لهمْ بحرفٍ واحدٍ أنَّ أيمانَ القسامةِ منْ شأْنِها أنْ تكونَ على ما لم يعلمُ. وبهذا تعرفُ بطلانَ القولِ أنَّ في القصةِ دليلًا على الحكمِ على الغائبِ إذْ لا حُكْمَ فيها أصلًا، وبطلانُ الجوابِ عنْ كونِها مخالِفةً للأصولِ بأنَّها مخصصةٌ منَ الأصولِ، لأنَّ القَسَامَةَ [شرعت] (٢) سُنَّةٌ مستقلَّةٌ بنفسِها منفردةٌ مخصَّصةٌ للأصولِ كسائرِ المخصَّصاتِ للحاجةِ إلَى شرعيَّتها حياطةً لحفظِ الدماءِ وردْعِ المعتدينَ، ووجْهُ بطلانِه أنهُ فرعُ ثبوتِ الحكم بها عنِ الشارعِ، فلو ثبتَ الحكمُ بها لكانَ هذا جوابًا حَسَنًا، [ولكن لم يثبت الحكم بها كما عرَّفناك] (٣).

وأما ما في حديثِ مسلمٍ أنهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أقرَّ القسامةَ على ما كانتْ عليهِ في الجاهليةِ وقضى بها بينَ [النَّاس] (٤) منَ الأنصارِ في قتيلٍ ادَّعوهُ على اليهودِ"، فهو إخبارٌ عن القصةِ التي في حديثِ سهلِ بنِ أبي حَثْمَةَ، وقدْ عرفْتَ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يقضِ بها فيهِ كما [عرَّفناك] (٥).

وقدْ عرفتَ منْ حديثِ أبي طالبِ أنَّها كانتْ في الجاهليةِ على أنْ يؤدِّيَ الديةَ القاتلُ لا العاقلةُ كما قالَ أبو طالبِ: إما أنْ تؤدِّي مائةٌ مِنَ الإِبلِ، فإنهُ ظاهرٌ أنَّها منْ مالِه لا منْ عاقلتِه، أو يحلِفَ خمسونَ منْ قومِكَ، أو تُقْتَلَ. وهُنَا في قصةِ خيبرَ لم يقعْ شيءٌ منْ ذلكَ فإنَّ المدَّعَى عليهمْ لم يحلِفُوا ولمْ يسلِّمُوا ديةً ولم يَطْلُبْ منْهم الحلِفَ.

وليسَ هذا قدْحًا في روايةِ الرَّاوِي منَ الصحابةِ بلْ في استنباطِه، لأنهُ قدْ أفادَ حديثُه أنهُ استنبطَ قضاءَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالقسامةِ منْ قصةِ أهلِ خيبرَ وليسَ في تلكَ القصةِ قضاءٌ، وعدمُ صحةِ الاستنباطِ جائزٌ على الصحابيِّ وغيرِهِ اتفاقًا، وإنَّما روايتُه للحديثِ بلفْظِهِ أوْ بمعناهُ هيَ التي يتعيَّنُ قبولُها.


(١) في (ب): "لا يحلفون على ما لا يعلمونه ولا شاهدوه".
(٢) زيادة من (أ).
(٣) زيادة من (أ).
(٤) في (ب): "ناس".
(٥) في (ب): "قررناه".