للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثابتٌ بالقرآنِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١) الآيةَ، ولم يذكرْ في القرآنِ نصابُ ما يقطعُ فيهِ، فاختلفَ العلماءُ في مسائلَ:

الأُولَى: هلْ يُشْتَرَطُ النصابُ أَوْ لا؟ ذهبَ الجمهورُ (٢) إلى اشتراطِه مستدلِّينَ بهذِه الأحاديثِ الثابتةِ، وذهبَ الحسنُ والظاهريةُ والخوارجُ (٣) إلى أنهُ لا يشترطُ بلْ يُقْطَعُ في القليلِ والكثيرِ لإطلاقِ الآيةِ، ولمَا أخرجَهُ البخاريُّ منْ حديثِ أبي هريرةَ أنهُ قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لعنَ اللهُ السارقَ يسرقُ البيضةَ فتقطعُ يدُه، وَيَسْرِقُ الحبلَ فَتُقْطَعُ يدُه" (٤).

وأُجِيْبَ بأنَّ الآيةَ مطلقةٌ في جنسِ المسروقِ وقَدْرِهِ والحديثُ بيانٌ لها، وبأنَّ المرادَ منْ حديثِ البيضةِ غيرُ القطعِ بِسَرِقَتِها بلْ الإخْبَارُ بتحقيرِ شأنِ السارقِ وخسارةِ ما ربحَه منَ السرقةِ وهوَ أنهُ إذا تعاطَى هذهِ الأشياءَ الحقيرةَ وصارَ ذلكَ خُلُقًا لهُ جَرَّأَهُ علَى سرقةِ ما هوَ أكثرُ منْ ذلكَ مما يبلغُ قدرُه ما يقطعُ بهِ، فليحذرْ هذا القليلَ قبلَ أنْ تملكَه العادةُ فيتعاطَى سرقةَ ما هوَ أكثرُ منْ ذلكَ، ذكرَ هذا الخطابيُّ (٥) وسبقَه ابنُ قتيبةَ (٦) إليهِ، ونظيرُه حديثُ: "مَنْ بَنَى للهِ مسجِدًا ولو كَمفْحَصِ (٧) قطاةٍ" (٨)، وحديثُ: "تصدَّقي ولو بظلِفِ (٩) محرقٍ" (١٠).

ومنَ المعلومِ أنَّ مِفْحَصَ القطاةِ لا يصحُّ تسبيلُه ولا التصدقُ بالظلفِ المحرقِ لعدمِ الانتفاعِ بهمَا، فما قصدَ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا المبالغةَ في الترهيبِ من السرقة.

الثانيةُ: اختلفَ الجمهور (١١) في قَدْرِ النصابِ بعدَ اشتراطِهم لهُ على أقوالٍ بلغتْ إلى عشرينَ قولًا، والذي قامَ الدليلُ عليهِ منْها قولانِ:


(١) سورة المائدة: الآية ٣٨.
(٢) "بداية المجتهد" ابن رشد (٤/ ٤٠١).
(٣) "موسوعة فقه الحسن" قلعه جي (٢/ ٥٢٧)، و"المحلَّى" ابن حزم (١١/ ٣٥١)، و"بداية المجتهد" (٤/ ٤٠١).
(٤) البخاري (٦٧٨٣)، ومسلم (٧/ ١٦٨٧)، وأحمد (٢/ ٢٥٣)، والنسائي (٨/ ٦٥)، وابن ماجه (٢٥٨٣)، و"البيهقي" (٨/ ٢٥٣).
(٥) و (٦) انظر: "فتح الباري" (١٢/ ٨٢ رقم ٦٧٨٣).
(٧) محلها ومبيضها الذي خصصته وكشفته، "مختار الصحاح" (ص ٢٠٦).
(٨) انظر: "فتح الباري" (١٢/ ٨٣)، وأحمد (١/ ٢٤١)، والبيهقي (٢/ ٤٣٧).
(٩) الظَّلْفُ للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، "مختار الصحاح" (ص ١٧٠).
(١٠) انظره في: "فتح الباري" (١٢/ ٨٣).
(١١) "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠١) بتحقيقنا.