للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورَوَى أيضًا محمدُ بنُ إسحاقَ منْ حديثِ عمروِ بنِ شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّه مِثْلَه (١)، قالُوا: وقدْ ثبتَ في الصحيحينِ منْ حديثِ ابنِ عمرَ (٢): "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قطعَ في مجنٍّ"، وإنْ كانَ فيهمَا أنَّ قيمتَه ثلاثةُ دراهمَ، لكنَّ هذهِ الروايةَ قدْ عارضتْ روايةَ الصحيحينِ والواجبُ الاحتياطُ فيما يُسْتَبَاحُ بهِ العضوُ المحرَّمُ قطْعُه إلَّا بحقِّه، فيجبُ الأخذُ بالمتيقَّنِ وهوَ الأكثرُ، قالَ ابنُ العربي (٣): ذهبَ سفيانُ الثوريُّ معَ جلالتِه في الحديثِ إلى أنَّ القطْعَ لا يكونُ إلَّا في عشرةِ دراهمَ، وذلكَ أنَّ اليدَ محرَّمةٌ بالإجماعِ فلا تستباحُ إلَّا بما أجمعَ عليهِ، والعشرةُ متفقٌ على القطعِ بها عندَ الجميعِ فيتمسكُ بها ما لم يقعِ الاتفاقُ على دونِ ذلكَ.

قلتُ: قدِ استُفيدَ منْ هذهِ الرواياتِ الاضطرابُ في قَدْرِ قيمةِ المجنِّ منْ ثلاثةِ دراهمَ أو عَشْرةٍ أوْ غيرِ ذلكَ مما وردَ في قدْرِ قيمتِه، وروايةُ رُبْعِ دينارِ في حديثِ عائشةَ (٤) صريحةٌ في المقدارِ فلا يقدِمُ عليها ما فيهِ اضطرابٌ، على أنَّ الراجحَ أنَّ قيمةَ المجنِّ ثلاثةُ دراهمَ لما يأتي منْ حديثِ ابنِ عمرَ (٥) المتفقِ عليهِ وباقي الأحاديثِ المخالفةِ لا تقاومُه سَنَداً. وأما الاحتياطُ بعدَ ثبوتِ الدليلِ فهوَ في اتباعِ الدليلِ لا فيما عدَاهُ، علَى أنَّ روايةَ التقديرِ لقِيْمَةِ المجنِّ بالعشرةِ جاءتْ منْ طريقِ ابنِ إسحاقَ (٦) ومنْ طريقِ عمروِ بنْ شُعَيْبٍ (٧) وفيهمَا كلامٌ معروفٌ، وإنْ كُنَّا لا نَرى القدْحَ في ابنِ إسحاقَ بما ذكرُوْهُ كما قرَّرْنَاهُ في مواضعَ أُخَرَ.

المسألةُ الثالثةُ: اختلفَ القائلونَ بشرطيةِ النِّصابِ فيما يقدَّرُ بهِ غيرُ الذهبِ والفضةِ، فقالَ مالكٌ (٨) في المشهورِ: يَقوَّمُ بالدراهمِ لا بُربْعِ الدينارِ، يعني إذا


(١) أخرجه النسائي (٨/ ٨٤). وقد تقدم في التعليقة السابقة.
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٩٥)، ومسلم (٦/ ١٦٨٦)، وأبو داود (٤٣٨٥)، والنسائي (٨/ ٧٦)، والترمذي (١٤٤٦)، ومالك في "الموطأ" (٢/ ٨٣١ رقم ٢١) وغيرهم.
(٣) "عارضة الأحوذي" ابن العربي (٦/ ٢٢٦).
(٤) انظر تخريج الحديث رقم (١/ ١١٤٩) من كتابنا هذا.
(٥) سيأتي تخريجه في الحديث رقم (٣/ ١١٥١) من كتابنا هذا.
(٦) تقدم تخريجه في التعليقة رقم (١).
(٧) تقدم تخريجه في التعليقة رقم (٢).
(٨) "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٢) بتحقيقنا.