للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحديثُ دليلٌ علَى أنهُ يجبُ القطعُ على جاحد العاريةِ، وهوَ مذهبُ أحمدَ وإسحاقَ والظاهريةِ (١)، ووجْهُ دلالةِ الحديثِ علَى ذلكَ واضحةٌ، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم - رتَّبَ القطْعَ علَى جَحْدِ العاريةِ.

وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (٢): إنهُ لا يثبتُ الحكمُ المرتَّبُ على الجحُودِ حتَّى يتبيَّنَ ترجيحُ روايةِ مَنْ رَوَى أنَّها كانتْ جاحدَةً على روايةِ مَنْ رَوَى أنَّها كانتْ سارقةً، وذهبَ الجماهيرُ (٣) أنهُ لا يجبُ القطعُ في جحْدِ العاريةِ.

قالُوا: لأنَّ الآيةَ في السارقِ، والجاحدُ لا يُسَمَّى سارِقًا. وردَّ هذَا ابنُ القيِّم (٤) وقالَ: إنَّ الجحْدَ داخلٌ في اسمِ السرقةِ.

قلتُ: أما دخولُ الجاحدِ تحتَ لفظِ السارقِ لغةً فلا تساعدُ عليهِ اللغةُ، وأما الدليلُ فثبوتُ قَطْعِ الجاحدِ بهذَا الحديثِ.

قالَ الجمهورُ (٥): وحديثُ المخزوميةِ قدْ وردَ بلفظِ أنَّها سرقتْ منْ طريقِ عائشةَ وجابرٍ وعروةَ بنِ الزبيرِ ومسعودِ بنِ الأسودِ، أخرجَهُ البخاريُّ ومسلم والبيهقي وغيرُهُمْ (٦) مصرِّحًا بذكرِ السرقةِ، قالُوا: فقدْ تقرَّرَ أنَّها سرقتْ، وروايةُ جَحْدِ العاريةِ لا تدلُّ علَى أنَّ القطْعَ كانَ لها، بلْ إنَّما ذكرَ جَحْدَها العاريةَ [لأنه] (٧) قدْ صارَ خُلُقًا لها معرُوفًا، فَعُرِفَتِ المرأةُ بهِ، والقطعُ كانَ للسرقةِ، وهذَا خلاصةُ ما أجابَ بهِ الخطابيُّ (٨) ولا يخْفَى تكلُّفُه، ثمَّ هوَ مبنيٌّ على أنَّ المعبَّرَ عنهُ امرأةٌ واحدةٌ، وليسَ في الحديثِ ما يدلُّ على ذلكَ، لكنْ في عبارةِ المصنفِ (٩) ما يُشعِرُ بذلكَ، فإنهُ جعلَ الذي ذكرهُ ثانيًا روايةً وهوَ يقتضي منْ حيثُ الإشعارُ العاديُّ


(١) "المغني" (١٠/ ٢٣٦)، و"المحلَّى" (١١/ ٣٦٢).
(٢) "فتح الباري" (١٢/ ٩٢).
(٣) "المغني" (١٠/ ٢٣٦).
(٤) "فتح الباري" (١٢/ ٩٢).
(٥) "بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٠) بتحقيقنا.
(٦) تقدَّم تخريجه قريبًا، انظر الحديث رقم (٥/ ١١٥١)، و"بداية المجتهد" (٤/ ٤٠٠) بتحقيقنا.
(٧) في (أ): "لأنها".
(٨) انظر: "معالم السنن" الخطابي (٦/ ٢٠٩ - ٢١٢ رقم ٤٢٠٨).
(٩) انظر نص الحديث رقم (٥/ ١١٥٣).