للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أسكرَ كثيرُه"، وفي معناهُ رواياتٌ كثيرةٌ لا تخلُو عنْ مقالٍ في أسانيدِها لكنَّها تعتضِدُ بما سمعتَ، قالَ أبو مظفَّرٍ السمعانيِّ: الأخبارُ في ذلكَ كثيرةٌ لا مساغَ لأحدٍ في العدولِ عنْها، وذهبَ الكوفيونَ وأبو حنيفةَ وأصحابُه وأكثرُ علماءِ البصرةِ (١) إلى أنهُ يحلُّ دونَ المسكرِ منْ غيرِ عصيرِ العنبِ والرطبِ.

وتحقيقُ مذهبِ الحنفيةِ قدْ بسطَهُ في "شرحِ الكنز" (٢) حيثُ قالَ: إنَّ أبا حنيفةَ قالَ: الخمرُ هوَ النِّيءُ منْ ماءِ العنبِ إذا غُلِيَ واشتدَّ وقذَفَ بالزبَدِ حُرِّمَ قليلها وكثيرها، وقال: إن الغليان من آية الشدَّة وكمالهُ بقذف الزَّبد وبسكونِه، إذْ بهِ يتميزُ الصافي منَ الكدِرِ، وأحكامُ الشرعِ قطعيةٌ فتُنَاطُ بالنهايةِ كالحدودِ وإكفارِ المستحِلِّ وحُرمةِ البيعِ والنجاسةِ.

وعندَ صاحِبَيْهِ إذا اشتدَّ صارَ خمرًا ولا يشتَرَطُ القذفُ بالزبدِ لأنَّ الاسمَ يثبتُ بهِ والمعنَى المقتضي للتحريمِ وهوَ المؤثرُ في الفسادِ وإيقاع العداوةِ، وأما الطِلاءُ بكسرِ الطاءِ فهو العصيرُ منَ العنبِ إنْ طُبِخَ حتَّى يذهبَ أَقلُّ منْ ثُلُثَيْهِ، والسَّكَرُ بفتحتينِ وهوَ النيءُ منْ ماءِ الرطبِ ونقيعِ الزبيبِ، وهوَ النِّيءُ منْ ماءِ الزبيبِ، والكل حرامٌ إن غَلَى واشتدَّ، وحرمتُها دونَ الخمرِ، والحلالُ منْها أربعةٌ: نبيذُ التمرِ والزبيبِ إنْ طُبِخَ أدنَى طَبْخٍ وإنِ اشتدَّ إن شربَ ما لا يسكرُ بِلَا لَهْوٍ وطربٍ، والخليطانِ وهوَ أنْ يُخْلَطَ ماءُ التمرِ وماءُ الزبيبِ، ونبيذُ العسلِ والتينِ والبرِّ والشعيرِ والذرةِ، طُبِخَ أوْ لَا، والمثلثُ العنبيُّ. انتَهى كلامُه ببعضِ تصرُّفٍ فيهِ.

فهذهِ الأنواعُ هي التي لم يقل بحرمتها استدلَّ بأنَّها لا تدخلُ تحتَ مُسَمَّى الخمرِ فلا يشملُها أدلةُ تحريمِ الخمرِ، وتأول حديثُ ابنِ عمرَ (٣) هذا بما قالَه الطحاويُّ (٤) حيثُ قالَ في تأويلِ الحديثِ: قالَ بعضُهم، المرادُ بهِ ما يقعُ للسكر عندَه، قالَ: ويؤيدُه أنَّ القاتلَ لا يُسَمَّى قاتِلًا حتَّى يَقْتُلَ، قالَ: ويدلُّ لهُ حديثُ ابنِ عباسٍ يرفعُه: "حُرِّمَتِ الخمرُ قليلُها وكثيرُها والسكرُ منْ كلِّ شرابٍ". أخرجَهُ


(١) "المغني" (١٠/ ٣٢٣)، و"كشف الحقائق" (٢/ ٢٤٦).
(٢) "كشف الحقائق" (٢/ ٢٤٦).
(٣) تقدم تخريجه قريبًا بالحديث رقم (١١٧٠).
(٤) الطحاوي (٤/ ٢١٤).