للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإسلامِ منْ جزيرةِ العربِ قالَ مالكٌ والشافعي وغيرُهما، إلا أنَّ الشافعيَّ والهادويةَ خصُّوا ذلكَ بالحجازِ قالَ الشافعيُّ: وإنْ سألَ مَنْ يعطي الجزيةَ أنْ يعطيَها ويجري عليهِ الحكمَ على أنْ يسكنَ الحجازَ لم يكنْ له ذلكَ، والمرادُ بالحجازِ: مكةُ والمدينةُ واليمامةُ ومخاليفُها كلُّها، وفي "القاموسِ" (١): الحجازُ مكةُ والمدينةُ والطائفُ ومخاليفُها، لكأنها حجزتْ بينَ نجدٍ وتهامةَ أوْ بينَ نجدٍ وتهامة السراةِ، أو لأنَّها احتجزتْ بالحرارِ الخمسِ، حرَّةِ بني سليمٍ، وواقمٍ، وليلَى، وشورانَ، والنارِ.

قالَ الشافعيُّ: ولا أعلمُ أحدًا أَجْلَى أحدًا منْ أهلِ الذمةِ من اليمنِ وقدْ كانتْ لها ذمةٌ، وليسَ اليمنُ بحجاز فلا يجلِيهم أحدٌ منَ اليمنِ ولا بأسَ أنْ يصالحَهُم على مُقَامِهم باليمنِ.

قلتُ: لا يخْفَى أن الأحاديثَ الماضيةَ فيها الأمرُ بإخراجِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ أَهْلِ الأديانِ غيرِ دينِ الإسلام منْ جزيرةِ العربِ، والحجازُ بعضُ جزيرةِ العربِ. ووردَ في حديثِ أبي عبيدةَ (٢) الأمرُ بإخراجِهم منَ الحجازِ وهوَ بعضُ مسمَّى جزيرةِ العربِ، والحكمُ على بعضِ مسمَّياتِها بحكمِ موافق للحكم عليها لا يعارِضُ الحكمَ عليها كلِّها بذلكَ الحكمِ، كما قرَّرَ في الأصولِ أنَّ الحكمَ على بعضِ أفرادِ العامِّ لا يخصِّصُ العامَّ وهذا نظيرُه، وليستْ جزيرةُ العربِ منْ ألفاظِ العمومِ كما وهمَ فيهِ جماعةٌ منَ العلماءِ، وغايةُ ما أفادَه حديثُ أبي عبيدةَ زيادةُ التأكيدِ في إخراجِهم منَ الحجازِ لأنهُ دخلَ إخراجُهم منَ الحجازِ تحتَ الأمرِ بإخراجِهم منْ جزيرةِ العربِ، ثمَّ أفردَ بالأمرِ زيادة في التأكيدِ لا أنهُ تخصيصٌ أوْ نسخ، وكيفَ وقدْ كانَ آخرَ كلامِه - صلى الله عليه وسلم -: "أخرجُوا المشركينَ منْ جزيرةِ العربِ" (٣) كما قالَ ابنُ عباسٍ: أَوْصَى عندَ موتِه.


(١) "القاموس المحيط" (ص ٦٥٣).
(٢) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (٢٦/ ٦٢ رقم ٣٨٧٠٩) ولفظه: وقال أبو عُبيدَةَ: جزيرةُ العربِ ما بين حفرِ أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض، فمن بئر يبرين إلى منقطع السماوة، وكذلك ذكره في التمهيد (١/ ١٧٢).
(٣) تقدَّم تخريجه وهو متفق عليه.