للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخرجَ البيهقي (١) منْ حديثِ مالكٍ عنْ إسماعيلَ بن أبي حكيمٍ أنهُ سمعَ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ يقولُ: بلغني أنهُ كانَ منْ آخِرِ ما تكلَّم بهِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "قاتلَ اللَّهُ اليهودَ والنَّصارى اتخذُوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ، لا يبقينَّ دينانِ بأرضِ العربِ".

وأما قولُ الشافعيِّ: ولم أعلم أحدًا أجلاهم منَ اليمنِ، فليسَ تركُ إجلائِهم بدليلٍ، فإنَّ أعذارَ مَنْ تَرَكَ ذلكَ كثيرةٌ، وقدْ تركَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - إجلاءَ أهلِ الحجازِ معَ الاتفاقِ على وجوبِ إجلائِهم لشغلته بجهادِ أهلِ الرِدَّةِ ولم يكنْ ذلكَ دليلًا على أنَّهم لا يجلونَ بلْ أجلاهُم عمرُ - رضي الله عنه -، وأما القولُ بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - أقرَّهم في اليمنِ بقولِه لمعاذٍ: "خذْ منْ كلِّ حالمٍ دينارًا أو عَدْلُه معافريًا" (٢)، فهذَا كانَ قبلَ أمرِه - صلى الله عليه وسلم - بإخراجِهم فإنهُ كانَ عندَ وفاتِه كما عرفتَ.

فالحقُّ وجوبُ إجلائِهم منَ اليمنِ لوضوحِ دليلِه، وكذلك القولُ بأنَّ تقريرَهم في اليمنِ قدْ صارَ إجْماعًا سكوتيًا كلام لا ينهضُ على دَفْعِ الأحاديثِ، فإنَّ السكوتَ منَ العلماءِ على أمرٍ وقعَ منَ الآحادِ مِنْ خليفةٍ أو غيرِه مِنْ فعلٍ محظورٍ أوْ تركِ واجب لا يدلُّ على جوازِ ما وقعَ ولا علَى جوازِ ما تركَ، فإنهُ إنْ كان الواقعُ فعلًا أو تَرْكًا منكرًا وسكتُوا لم يدلَّ سكوتُهم على أنهُ ليسَ بمنكرٍ لما عُلِمَ


(١) في "السنن الكبرى" (٩/ ٢٠٨).
وأورده ابن عبد البر في "التمهيد" (١/ ١٦٥)، وقال: "هكذا جاء هذا الحديث عن مالك في الموطآت كلها مقطوعًا، وهو يتصل من وجوه حسان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة، وعائشة، ومن حديث علي بن أبي طالب، وأسامة … " اهـ.
(٢) وهو حديث صحيح.
أخرجه أبو داود رقم (١٥٧٨)، والترمذي رقم (٦٢٣)، والنسائي (٥/ ٢٥ - ٢٦)، وأحمد (٥/ ٢٣٠)، وعبد الرزاق رقم (٦٨٤١)، والطيالسي رقم (٥٦٧)، والدارمي (١/ ٣٨٢)، والدارقطني (٢/ ١٠٢)، والحاكم (١/ ٣٩٨)، والبيهقي (٤/ ٩٨)، و (٩/ ١٩٣) من طرق عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (٢/ ٢٧٥): وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت؛ … قلت: وللحديث طرق أخرى انظرها في: "إرواء الغليل" رقم (٧٩٥).