للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ أن مراتبَ [الإنكار] (١) ثلاثٌ: باليدِ أو اللسانِ أو بالقلبِ، وانتفاءُ الإنكارِ باليدِ واللسانِ لا يدلُّ على انتفائِه بالقلبِ، فلعل الساكت أنكر بقلبه لعذر عن التغيير باليد واللسان، وحينئد فلا يدل سكوته علة تقريرِه لما وقعَ حتَّى يُقَالَ قد [أجمعت الأمة عليه] (٢) إِجْمَاعًا سكوتيًا، إذْ لا يثبتُ أنهُ قدْ أجمعَ الساكت إلا إذا عُلِمَ رضاهُ بالواقعِ، ولا يَعْلمُ ذلكَ إلَّا علَّامُ الغيوبَ.

بهذَا [يُعْرَفُ] (٣) بطلان القولِ بأن الإجماعَ السكوتيَّ حجةٌ ولا أعلمُ أحدًا قدْ حرَّرَ هذا في ردِّ الإجماعِ السكوتيِّ معَ وضوحِه، والحمدِ للَّهِ المنعمِ المتفضلِ، وقد أوضحْناهُ في رسالةٍ مستقلةٍ، فالعجبُ ممن قالَ: ومثلُه قدْ يفيدُ القطعَ، وكذلكَ قولُ مَنْ قالَ: إنهُ يحتمل أن حديثَ الأمرِ بالإخراجِ كانَ عندَ سكوتِهم بغير جزيةٍ باطلٌ لأنَّ الأمرَ بإخراجهم عندَ وفاته - صلى الله عليه وسلم - والجزيةُ فُرِضَتْ في التاسعة منَ الهجرةِ عندَ نزولِ براءةَ فكيفَ يتمُّ هذَا، ثمَّ إنَّ عمرَ أَجْلَى أهلَ نجرانَ وقدْ كانَ صالَحَهُمْ على مالٍ واسعٍ كما هوَ معروفٌ وهوَ جزيةٌ. والتكلفُ [بتقويم] (٤) ما عليهِ الناسُ وردُّ ما وردَ من [النصوصُ] (٥) بمثل هذهِ التأويلاتِ مما يطيلُ تعجبَ الناظرِ المنصفِ.

قالَ النوويُّ: قالَ العلماءُ رحمَهم اللَّهُ تعالَى: ولا يُمْنعُ الكفارُ منَ الترددِ مسافرينَ إلى الحجازِ ولا يمكثونَ فيهِ أكثرَ منْ ثلاثةِ أيامٍ، قالَ الشافعيُّ ومَنْ وافقَهُ: إلَّا مكة وحَرَمَها فلا يجوزُ تمكينُ كافر منْ دخولِها بحالٍ. فإنْ دخل في خفيةٍ وجبَ إخراجُه، فإنْ ماتَ ودُفِنَ فيهِ نُبشَ وأُخْرِجَ [ما لم يتغيرْ] (٦)، وحجَّتُه قولُه تعالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (٧).

قلتُ: ولا يخفَى أن [البانيان] (٨) همُ المجوسُ، والمجوس حكْمُهم منْ حكمِ أهلَ الكتابِ لحديثِ: "سُنُّوا بهمْ سُنَّةَ أهلِ الكتاب" (٩)، فيجبُ إخراجُهم منْ


(١) في (أ): "المنكر".
(٢) في (ب): "أجمع عليه".
(٣) في (أ): "تعرف".
(٤) في (ب): "التقويم".
(٥) في (أ): "المنصوص".
(٦) زيادة من (ب).
(٧) سورة التوبة: الآية ٢٨.
(٨) زيادة من (ب).
(٩) • أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٢٧٨ رقم ٤٢) من حديث عبد الرحمن بن عوف ورجاله ثقات إلا أنه منقطع السند.=