للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لقولِه تعالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (١)، فيكونُ الاستثناءُ رافِعًا للإثمِ الحاصلِ بتركهِ، أو لتحصيلِ ثوابِ الندبِ على القولِ باستحبابِه، ولم يريدُوا بهِ حلَّ اليمينِ ومنعَ الحِنْثِ. واختلفُوا: هلِ الاستثناءُ مانعٌ للحنثِ في الحلفِ باللَّهِ وغيرِه منَ الظهارِ والنذرِ والإقرارِ؟ فقالَ مالكٌ: لا ينفعُ إلا في الحلفِ باللَّهِ دونَ غيرِه واستقواهُ ابنُ العربي، واستدلَّ بأنهُ تعالَى قالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (٢)، قال: الاستثناء أخو الكفارة، فلا يدخلُ في ذلكَ إلا اليمينُ الشرعيةُ، وهيَ الحلفُ باللَّهِ. وذهبَ أحمدُ إلى أنهُ لا يدخلُ العتقُ لما أخرجَهُ البيهقيُّ (٣) منْ حديثِ معاذٍ مرفُوعًا: "إذا قالَ لامرأتِه أنتِ طالقٌ إنْ شاءَ اللهُ لم تطلُقْ، وإذا قالَ لعبدِه أنتَ حرٌّ إنْ شاءَ اللهُ، فإنهُ حرٌّ". إلا أنهُ قالَ البيهقيُّ: [تفرَّدَ] (٤) بهِ حميدُ بنُ مالكٍ وهوَ مجهولٌ (٥)، واختُلِفَ عليهِ في إسنادِهِ. وذهبتِ الهادويةُ إلى أن الاستثناءَ بقولِه إنْ شاءَ اللهُ يعتبر فيهِ أنْ يكونَ المحلوفُ عليهِ فيما يشاؤه اللهُ أوْ لا يشاؤُه، فإنْ كانَ مما يشاؤُه اللهُ بأنْ كانَ واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا في المجلسِ، أو حالَ التكلُّمِ، لأنَّ مشيئةَ اللهِ حاصلةٌ في الحالِ، فلا تبطلُ اليمينُ بل [تنعَقدُ] (٦) بهِ، وإنْ كانَ لا يشاؤُه بأنْ يكونَ محظورًا أوْ مكْروهًا فلا تنعقدُ اليمينُ، فجعلُوا حكمَ الاستثناءِ بالمشيئةِ حكمَ التقييدِ بالشرطِ، فيقعُ المعلَّق عندَ وقوعِ المعلَّقِ بهِ وينتفي بانتفائِه، وكذا قولُه: إلا أنْ يشاءَ اللهُ، حكْمُه حكمُ إنْ شاءَ اللهُ. ولا يخْفَى أن الحديثَ لا تطابقُه هذهِ الأقوالُ. وفي قولِه: فقالَ "إنْ شاءَ اللهُ" دليلٌ على أنهُ لا يكفي في الاستثناءِ النيةُ، وهوَ قولُ كافةِ العلماءِ، وحُكِيَ عنْ بعضِ المالكيةِ صحةُ الاستثناءِ بالنيةِ منْ غيرِ لفظٍ. وإلى هذا أشارَ البخاريُّ وبوَّبَ عليهِ: بابُ النيةِ في الأَيْمانِ (٧)، (يعني بفتحِ الهمزةِ). ومذهبُ الهادويةِ صحةُ الاستثناءِ بالنيةِ وإنْ لم يلفظْ بالعمومِ إلا منْ عددٍ منصوصٍ، فلا بدَّ منَ الاستثناءِ باللفظِ.


(١) سورة الكهف: الآية ٢٤.
(٢) سورة المائدة: الآية ٨٩.
(٣) في "السنن الكبرى" (٧/ ٣٦١) بسند ضعيف جدًّا.
(٤) في (أ): "يتفرد".
(٥) انظر ترجمته في: "الميزان" (١/ ٦١٦)، والمغني في الضعفاء (١/ ١٩٥)، و "الكامل" (٢/ ٦٩٤).
(٦) في (أ): "تنقيد".
(٧) في "صحيحه" (١١/ ٥٧١ رقم الباب ٢٣).