للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليكمْ] (١)، فإذا نذرتُم [ولم تعتقدُوا هذا] (٢) فاخرجُوا عنهُ بالوفاءِ منه، فإنَّ الذي نذرتُموه لازمٌ لكمْ" اهـ.

وقالَ المازريُّ بعدَ نقلِ معناهُ عنْ بعضِ أصحابِه: وهذَا عندي بعيدٌ عنْ ظاهرِ الحديثِ. قالَ: ويحتملُ عندي أنْ يكونَ وجْهُ الحديثِ أن الناذِرَ يأتي بالقربةِ مستثقلًا لها لما صارتْ عليهِ ضربةَ لازبٍ، فلا ينشطُ للفعلِ [نشاطَ] (٣) مُطْلَقِ الاختبار، أوْ لأنَّ الناذِرَ يصيِّرُ القربةَ كالعوضِ عن الذي نذرَ لأجلهِ، فلا تكونُ خالصةً. ويدلُّ له قولُه: "إنهُ لا يأتي بخيرٍ".

قالَ [القاضي] عياضٌ: [إنَّ] (٤) المعنَى [أنهُ يغالبُ القدرَ] (٥)، وأن النَّهْيَ لخشيةِ أنْ يقعَ في ظنِّ بعضِ الجهلةِ ذلكَ. وقولُه: "لا يأتي بخيرٍ" معناهُ أن عقباهُ لا تُحْمَدُ. وقدْ يتعذَّر الوفاءُ بهِ، وأنهُ لا يكونُ سببًا لخيرٍ لم يقدَّرْ فيكونُ مباحًا. وذهبَ أكثرُ الشافعيةِ (٦) - ونُقِلَ عن المالكيةِ (٧) - إلى أنَّ النذرَ مكروهٌ لثبوتِ النَّهْي عنْهُ. واحتجُّوا بأنهُ ليسَ طاعةً محضةً، لأنهُ لم يقصدْ بهِ خالصَ القُربةِ، وإنَّما قصدَ أنْ ينفعَ نفسَه أوْ يدفعَ عنْها ضَرَرًا بما التزمَ. وجزمَ الحنابلةُ بالكراهةِ (٨)، وعندَهم روايةٌ أنَّها كراهةُ تحريمٍ، ونقلَ الترمذيُّ (٩) كراهتَهُ عنْ بعضِ أهلِ العلمِ منَ الصحابةِ.

وقالَ ابنُ المباركِ: يُكْرَهُ النذرُ في الطاعةِ والمعصيةِ، فإنْ نذرَ [بالطاعةِ] (١٠)، ووفَّى بهِ كانَ لهُ أجرٌ. وذهبَ النوويُّ في شرحِ المهذَّبِ إلى أن النذرَ مستحَبٌّ، وقالَ المصنِّفُ (١١): وأنا أتعجَّبُ ممنْ أطلقَ لسانَهُ بأنهُ ليسَ بمكروهٍ معَ ثبوتِ النَّهْي الصريحِ، فأقلُّ درجاتهِ أنْ يكونَ مكروهًا.


(١) في (أ): "شيئًا".
(٢) هذه زيادة من "النهاية" لابن الأثير.
(٣) في (أ): "نشط".
(٤) زيادة من (ب).
(٥) في (أ): "لا ينفع في ذلك".
(٦) انظر: "مغني المحتاج" (٤/ ٣٥٤).
(٧) انظر: "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزي (ص ١٨٨).
(٨) قال ابن قدامة في "المغني" (١٣/ ٦٢١) عقب حديث ابن عمر: "وهذا نهيُ كراهةٍ لا نهيُ تحريم، لأنه لو كان حرامًا لما مدحَ الموفينَ به، لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشدُّ من طاعتِهم في وفائه، ولأن النذر لو كان مستحبًا، لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفاضلُ أصحابهِ" اهـ.
(٩) في "السنن" (٤/ ١١٢).
(١٠) في (أ): "في الطاعة".
(١١) في "فتح الباري" (١١/ ٥٧٨).