للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التحذيرِ منْ ولايةِ القضاءِ، والدخولِ فيهِ كأنهُ يقولُ: منْ تولَّى القضاءَ فقدْ تعرضَ لذبحِ نفسهِ، فليحذرْه وليتوقَّهُ، لأنه إنْ حكمَ بغيرِ الحق معَ علمهِ بهِ أو جهلهِ لهُ فهوَ في النارِ، والمرادُ منْ ذبْحِ نفسهِ إهلاكُها، أي: فقدْ أهلكَها بتوليةِ القضاءِ، وإنَّما قالَ بغير سكينٍ للإعلامِ بأنهُ لم يردْ بالذبحِ فَرْيَ الأوداجِ الذي يكونُ في الغالبِ بالسكينِ، بلْ أُرِيدَ بهِ إهلاكُ النفسِ بالعذاب الأُخرويِّ. وقيلَ: ذبحَ ذبحًا معنويًا، وهوَ لازمٌ لهُ لأنهُ إنْ أصابَ الحقَّ فقدْ أَتعبَ نفسَه في الدُّنيا لإرادتِه الوقوفَ على الحق وطلبِه واستقصاءَ ما تجبُ عليهِ رعايتُه في النظرِ في الحكمِ، والموقفُ معَ الخصْمَيْنِ، والتسويةُ بينَهما في العدلِ والقسطِ وإنْ أخطأ في ذلكَ لزمَهُ عذابُ الآخرةِ، فلا بدَّ لهُ منَ التعبِ والنَّصبِ. ولبعضِهم كلامٌ في الحديثِ لا يوافقُ المتبادَرَ منْهُ.

٣/ ١٣٠٣ - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ (١)، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ" (٢)، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (٣). [صحيح]

(وعنهُ) أي: أبي هريرةَ - رضي الله عنه - (قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إنَّكم ستحرصونَ على الإمارةِ) عامٌّ لكلِّ إمارةٍ منَ الإمامةِ العظْمى، إلى أدنى إمارةٍ ولوْ على واحدٍ، (وستكونُ ندامةً يومَ القيامةِ، فنعمَ المرضعةُ) أي: في الدُّنيا، (وبئستِ الفاطمةُ) أي: بعدَ الخروجِ منْها. (رواهُ البخاريُّ). قال (٤) الطيبيُّ: تأنيثُ الإمارةِ غيرُ حقيقيٍّ فتركَ تأنيثَ نِعْمَ وألحقَه ببئسَ نظرًا إلى كونِ الإمارةِ حينئذٍ داهيةً دهْياءَ. وقالَ غيرُه: أنَّثَ في لفظٍ وتركَه في لفظٍ للافتنانِ وإلَّا فالفاعلُ واحدٌ. وأخرجَ الطبرانيُّ (٥) والبزارُ (٦) بسندٍ صحيح منْ حديثِ عوفِ بن مالكِ بلفظِ: "أوّلها


(١) ضرب المرضعة مثلًا للإمارة، وما توصلُهُ إلى صاحبها من المنافع.
(٢) ضرب الفاطمة مثلًا للموت الذي يهدم عليه لذاته ويقطع تلك المنافع.
(٣) في "صحيحه" (٧١٤٨).
(٤) ذكره ابن حجر في "الفتح" (١٣/ ١٢٦).
(٥) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٥/ ٢٠٠): رواه البزار والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" (٧/ ٢٦ رقم ٦٧٤٧) باختصار، ورجال الكبير رجال الصحيح.
(٦) البزار (٢/ ٢٣٦ رقم ١٥٩٧ - كشف الأستار).