للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعزُّ وجودُه بلْ كادَ يعدمُ بالكليةِ، ومعَ تعذُّرهِ فمنْ شرطَه أنْ يكونَ مقلّدًا مجتهدًا في مذهبِ إمامِه. ومنْ شرطِه أنْ يتحققَ أصولَ إمامهِ وأدلَّتَه، وينزلَ أحكامَه عليها فيما لم يجدْه منصُوصًا منْ مذهبِ إمامه، انتهى.

قلت: ولا يخْفَى ما في الكلامِ منَ البطلانِ، وإنْ تطابقَ عليهِ الأعيانُ، وقدْ بيَّنَّا بطلانَ دعْوى تعذرِ الاجتهادِ في رسالتِنا المسمَّاةِ بإرشادِ النقادِ إلى تيسيرِ الاجتهادِ (١) بما لا يمكنُ دفعُه، وما أَرى هذه [الدعْوى] (٢) التي تطابق عليها الأنظارُ إلَّا منْ كفرانِ نعمةِ اللَّهِ عليهم، فإنَّهم - أعني المدعينَ لهذِه الدعْوى والمقررينَ لها - مجتهدونَ يعرفُ أحدُهم مِنَ الأدلةِ ما يمكنُه بها الاستنباطُ مما لم يكنْ قدْ عرفَه عتابُ بن أسيدٍ قاضي رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - على مكةَ، ولا أبو موسَى [الأشعريُّ] (٣) قاضي رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في اليمنِ، ولا معاذُ بن جبل قاضيْه فيها [وعاملُه عليها] (٤)، ولا شريحٌ قاضي عمرَ وعليٍّ - رضي الله عنه -[على الكوفة] (٥).

ويدلُّ لذلكَ قولُ الشارحِ: فمنْ شرطِه، أي [المقلدِ] (٦) أنْ يكونَ مجتهدًا في مذهبِ إمامه، فإنَّ هذَا هوَ الاجتهادُ الذي حكمَ بكيدودةِ عدمِه بالكليةِ وسمَّاهُ متعذِّرًا، فهلَّا جعلَ هذا المقلِّدُ إمامَه كتابَ اللَّهِ وسنةَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِوَضًا عنْ إمامِه، وتتبعَ نصوصَ الكتابِ والسنةِ عوضًا عن [تَتَبُّع] (٧) نصوصِ إمامهِ والعباراتُ كلُّها ألفاظٌ دالة على معاني، فهلَّا استبدلَ بالفاظِ إمامِه ومعانيها ألفاظَ الشارعِ ومعانيها، ونزَّلَ الأحكامَ عليها إذا لم يجدْ نصًا شرعيًا عِوَضًا عنْ تنزيلِها على مذهبِ إمامهِ فيما لم يجدْه منصُوصًا، تاللَّهِ لقدِ استبدلَ الذي هوَ أدنَى بالذي هوَ خيرٌ منْ معرفةِ الكتابِ والسنةِ إلى معرفةِ كلام الشيوخِ والأصحابِ وتفهمِ مرامِهم، والتفتيشِ عنْ كلامهم. ومنَ المعلومِ يقينًا أَنَّ كلامَ اللَّهِ تعالى وكلامَ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - أقربُ إلى الأفهامِ وأدنى إلى إصابة بلوغ (٨) المرامِ، فإنهُ أبلغُ الكلامِ بالإجماعِ، وأعذبُه في الأفواهِ والأسماعِ، وأقربُه إلى الفهمِ والانتفاعِ، ولا ينكرُ هذا إلا


(١) طبع بتحقيقي ولله الحمد.
(٢) في (أ): "الدعاوي".
(٣) زيادة من (ب).
(٤) زيادة من (ب).
(٥) في (أ): "بالكوفة".
(٦) في (أ): "التقليد".
(٧) زيادة من (ب).
(٨) أي بأنه لا يكاد يوجد.