للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولفظُه: "أما بعدُ فإنَّ القضاءَ فريضةٌ محكمةٌ وسنةٌ متَّبعةٌ، فعليكَ بالعقلِ والفهمِ وكثرةِ الذكرِ، فافهمْ إذا أدلَى إليكَ الرجلُ الحجةَ فاقضِ إذا فهمتَ، وامضِ إذا قضيتَ. فإنهُ لا ينفعُ [تكلُّمٌ] (١) بحقٍ لا نفاذَ لهُ. آسِ بينَ الناسِ في وجهكَ ومجلسِكَ وقضائِكَ حتَّى لا يطمعَ شريفٌ في حيفكَ، ولا ييأسَ ضعيفٌ منْ عدلِكَ. البينةُ على المدَّعي واليمينُ على مَنْ أنكرَ، والصلحُ جائزٌ بينَ المسلمينَ إلا صلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا. ومن ادَّعى حقًّا غائبًا أو بينةً فاضربْ لهُ أمدًا ينتهي إليهِ، فإنْ جاءَ ببيِّنتِه أعطيتَهُ حقَّهُ، وإلَّا استَحْلَلْتَ عليهِ القضيّةَ، فإنَّ ذلكَ أبلغُ في العُذرِ، وأجْلَى للعَمى. ولا يمنعكُ قضاءٌ قضيتَ فيهِ اليومَ فراجعتَ فيهِ عقلكَ وهُدِيْتَ فيهٍ لرشدَكَ أنْ ترجَع إلى الحقِّ، فانَّ الحقَّ قديمٌ ومراجعةُ الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطلِ. الفهمَ الفهمَ فيما يختلجُ في صدركَ مما ليسَ في كتابِ اللَّهِ ولا سنةِ رسولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ اعرفْ الأشباهَ والأمثالَ وقسِ الأمورَ عندَ ذلكَ، واعمدْ إلى أقربها إلى اللَّهِ تعالَى وأشبهِهَا بالحقِّ. المسلمونَ عدولٌ بعضُهم على بعضٍ إلَّا مجلُودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليهِ شهادةُ زورٍ، أو ظِنِّيْنًا في ولاءٍ أو نسبٍ أو قرابةٍ، فإنَّ الله تعالَى تولَّى منكمُ السرائرَ. وادرأ بالبيناتِ والأيمانِ، وإياك والغضبَ والقلقَ والضجرَ، والتأذيَ بالناسِ عندَ الخصومةِ، [والتفكرِ] (٢) عندَ الخصوماتِ، فإنَّ القضاءَ عندَ مواطنِ الحقَّ، يوجبُ اللَّهَ تعالى بهِ الأجرَ، ويحسنُ بهِ الذكرَ. فمنْ خلصتْ نيتُه في الحقِّ ولوْ على نفسِه كفاهُ اللَّهُ (تعالى) ما بينَه وبينَ الناسِ، ومَنْ تخلَّق للناسِ بما ليسَ في قلبِهِ شانَهُ اللَّهُ تعالَى، فإنَّ اللَّهَ تعالَى لا يقبلُ منَ العبادِ إلَّا ما كانَ خالصًا، فما ظنكَ بثوابٍ منَ اللَّهِ في عاجلِ رِزْقه، وخزائن رحمتِهِ، والسلامُ اهـ". ولأمير المؤمنينَ عليٍّ - عليه السلام - في عهدٍ عهِده إلى الأشترِ لما ولَّاه مصرَ فِيْهِ عدةُ نصائح وآدابٍ ومواعظَ وحكمٍ، وهوَ معروفٌ في النهجِ لم أنقلْه لشهرتِه. وقدْ أُخِذَ منْ كلامِ عمرً أنهُ ينقضُ القاضي حُكْمُه إذا أخطأَ، ويدلُّ لهُ ما أخرجَه (٣) الشيخانِ منْ حديثِ أبي هريرةَ أنهُ قالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بينَما امرأتانِ معَهُما ابناهُما جاءَ الذئبُ فذهبَ بابنِ إحداهُما


(١) في (أ): "كلام".
(٢) زيادة من (أ).
(٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣٢٤٤ - البغا)، ومسلم في "صحيحه" (١٧٢٠).