للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فانصحْه". والحديثُ دليلٌ على أن هذهِ حقوقُ المسلم على المسلم، والمرادُ بالحقِّ ما لا ينبغي تركُه، ويكونُ فِعلُه إما واجبًا أو مندُوبًا ندْبأ مؤكَّدًا شبيهًا بالواجبِ الذي لا ينبغي تركُه، ويكونُ استعمالُه في المعنيينِ منْ بابِ استعمالِ المشتركِ في معنيَيْهِ، فإنَّ الحقَ يستعملُ في معنَى الواجبِ، كذا ذكرهُ ابنُ الأعرابيِّ.

فالأوُلىَ منَ الستِّ: السلامَ عليهِ عندَ ملاقاتِه لقولهِ: "إذا لقيتَه فسلِّمْ عليهِ"، والأمرُ دليلٌ على وجوب الابتداءِ بالسلامِ، إلَّا أنهُ نقلَ ابنُ عبدِ البرّ (١) وغيرهُ أن الابتداءَ بالسلامِ سنةٌ، وَأنَّ ردَّه فرضٌ. وفي صحيح مسلمٍ (٢) مرفُوعًا: الأمرُ بإفشاءِ السلامِ، وأنهُ سببٌ للتحابِّ. وفي الصحيحينِ (٣): "أن أفضلَ الأعمالِ إطعامُ الطعامِ، وتقرأ السلامَ على مَنْ عرفتَ ومَنْ لم تعرفْ"، قالَ عمارٌ: ثلاثٌ مَنْ جمعَهنَّ فقدْ جمعَ الإيمانَ: إنصافٌ منْ نفسِكَ، وبذلُ السلامِ للعالَمِ، والإنفاقُ منَ الإِقْتَارِ. ويا لها منْ كلماتٍ ما أجمعَها للخيرِ. والسلامُ اسمٌ منْ أسماءِ (٤) اللَّهِ تعالَى، فقولُه: السلامُ عليكم أي اسم الله عليكم، أي أنتُم في حفظِ اللَّهِ كما يُقَالُ: اللَّهُ معَكَ، واللَّهُ يصحبُكَ. وقيلَ: السلامُ بمعنى السلامةِ، أي: سلامةُ اللَّهُ ملازِمة لكَ. وأقلُّ السلامِ أنْ يقولَ السلامُ عليكْم، وإنْ كانَ المسلَّمُ عليهِ واحدًا يتناولُه وملائكتهُ، وأكملُ منهُ أنْ يزيدَ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه، ويجزيهِ السلامُ عليكَ، وسلامٌ عليكَ بالإفرادِ والتنكيرِ، فإنْ كانَ المسلَّمُ عليهِ واحدًا أوجبَ الردُّ عليهِ


(١) في "التمهيد" (٥/ ٢٨٨، ٢٨٩).
(٢) رقم (٩٣/ ٥٤).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (٥١٩٣)، والترمذي رقم (٢٦٨٨) وقال: حسن صحيح.
وابن ماجه رقم (٣٦٩٢).
(٣) أخرجه البخاري رقم (٢٨)، ومسلم رقم (٦٣/ ٣٩)، والنسائي (٨/ ١٠٧).
(٤) كما في الحديث الذي أخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (١٩٩٩)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/ ٢٩): رواه البزار بإسنادين، والطبراني بأسانيد؛ وأحدهما رجاله رجال الصحيح.
من حديث ابن مسعود عن النبي قال - صلى الله عليه وسلم -: "السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مرَّ بقوم فسلَّم عليهم فردُّوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم".