للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مرفُوعًا: "إذا عطسَ أحدُكم فليشمِّتْهُ جليسُه، فإنْ زادَ على ثلاثِ فهوَ مزكومٌ، ولا يشمَّتُ بعدَ ثلاثٍ". قالَ ابنُ أبي جمرةَ: في الحديثِ دليلٌ على عِظَم نعمةِ اللَّهِ تعالى على العاطسِ، يؤخذُ ذلكَ مما رتبَ عليهِ منَ الخيرِ، وفيهِ إشارةٌ إلى عظمةِ أفضلِ، (١) اللَّهِ تعالى علَى عَبْدِهِ، فإنهُ أذهبَ عنهُ الضررَ بنعمةِ العُطَاسِ، ثمَّ شرعَ لهُ الحمدَ الذي يثابُ عليهِ، ثمَّ الدعاءَ بالخيرِ لمنْ يشمِّتهُ بعدَ الدعاءِ منهُ لهُ بالخيرِ، ولما كانَ العاطسُ قدْ حصلَ لهُ بالعطاسِ نعمةٌ ومنفعةٌ بخروج الأبخرةِ المحتقنةِ في دماغهِ التي لو بقيتْ فيهِ أحدثتْ أدواءَ عَسِرةً شُرعَ لهُ حمدُ اللهِ على هذهِ النعمةِ معَ بقاءِ أعضائه على هيئتِها والتئامِها بعدَ هذهِ الزلزلةِ التي هيَ للبدنِ كزلزلةِ الأرضِ.

ومفهومُ الحديثِ أنهُ لا يشمتُ غيرُ المسلمِ كما عرفتَ. وقدْ أخرجَ أبو داودَ (٢) والترمذيُّ (٣) وغيرُهما (٤) بأسانيدَ صحيحةٍ منْ حديثٍ أبي موسَى قالَ: كانَ اليهودُ يتعاطسونَ عندَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، يرجونَ أنْ يقولَ لهم: يرحمُكم اللَّهُ، فيقولُ: "يهديكمُ الله ويصلحُ بالَكُم"، ففيهِ دليلٌ على أنهُ يقالُ لهم ذلكَ ولكنْ إن حمد الله.

الخامسةُ: قولُه: "وإذا مرضَ فعدْهُ"، فيه دليلٌ على وجوبِ عيادةِ المسلم للمسلمِ، وجزمَ البخاريُّ بوجوبِها. قيلَ: يحتملُ أنَّها فرضُ كفايةٍ. وذهبَ الجمهورُ إلى أنَّهّا مندوبةٌ. ونقلَ النوويُّ الإجماعَ على عدمِ الوجوبِ. قالَ المصنفُ: يعني على الأعيانِ. وإذا كانت حقًّا للمسلمِ على المسلمِ فسواءٌ فيهِ منْ يعرفُه ومَنْ لا يعرفُه، وسواءٌ القريبُ وغيرهُ، وهوَ عامٌّ لكل مرضٍ، وقد استثنَى منهُ الرمدَ ولكنَّه قدْ أخرجَ أبو داودَ (٥) منْ حديثٍ زيدِ بن أرقمَ: "قالَ: عادني


(١) في (أ): "نعمة".
(٢) في "السنن" رقم (٥٠٣٨).
(٣) في "الأدب" رقم (٢٧٤٠) وقال: حسن صحيح.
(٤) وأخرجه البخاري في "الأدب" رقم (٩٤٠).
وحديث أبي موسى صحيح، والله أعلم.
(٥) في "السنن" رقم (٣١٠٢). وقال: حديث زيد بن أرقم هذا حديث حسن، قاله المنذري.
وذكر بعضهم عيادة المضمر عليه. وقال: هذا الحديث ردٌّ لما يعتقده عامة الناس أنه لا يجوز عندهم زيارة من مرض من عينيه. وزعموا أن ذلك لأنهم يرون في بيته ما لا يراه هو. وقال: حالة الإغماء أشد من حالة الرمد. وقد عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - جابرًا وهو مغمى عليه - وبقي في داره حتى أفاق، وفعله - صلى الله عليه وسلم - هو الحجة.